الموسيقى البصرية لا تُعنى بالمسموع فقط بل بالصمت، حتى إنه يمكن القول: إن الصمت مقامها ومنصة انطلاقها، وهنا أُشبّه الصمت في الموسيقى بمنصة انطلق منها طائر وهو يدري من أين انطلق ، ولكنه فيما يذهب بعيداً في طيرانه لا يدري إلى أين يصل، وعليه في حال طيرانه أن يتعامل مع تقلبات الأجواء وعواصف الرياح والمطر الذي قد ينهمر .. إنه ببساطة ينطلق ولا يلوي على شيء، ومكان انطلاقه حالة موازية لما قبل المقدمة اللحنية الموسيقية، فيما مكان هبوطه حالة موازية للقفلة الموسيقية، وبين الحالتين «البداية والقفلة» فجوات وفراغات يُعبر عنها الطائر بمد جناحيه مسترخياً مع أثير الرياح ودون أن يكلف نفسه عناء الجهد المرتبط بحركة الجناحين. تلك لطيفة من لطائف الإشارات عند فريد الدين العطار صاحب «منطق الطير» وعند الغزالي صاحب «رسالة الطير» فتأمل. موسقة المرئيات مُعادل للعزف الموسيقي، وضبط هذه الموسقة معادل للدوْزنة، والمعروف أن الدوْزنة ليست سوى قاعدة المعايير الكبرى للعزف على الآلة الوترية، حيث تُشد الأوتار المسترخية بحثاً عن النغمة المناسبة، ثم ضبط المسافات المتعلقة بالتدرج، وهذا يذكرنا بما على صانع اللوحة والصورة الفوتوغرافية والعمل السينمائي أن يفعله ، ذلك أن قواعد المعايير الفنية هي شكل من أشكال دوْزنة المدخلات حتى تتحول إلى خوارزميات تتفاعل بصورة إبداعية، وسنرى أن علم «السيبيرنيتيكا» يُرينا كيف أن اللغات المختلفة تتحول الى مصفوفات «ماتريكس» رياضية تستدعي لوغاريتمات التناسب بين ما يبدو غير متناسب، وهذا بالضبط هو الدور الذي يقوم به المخرج الرائي وهو يتعامل مع مادته .