بشق الأنفس قهر ثوار اليمن الملكية والاستعمار.. وبشتى الأنفس وحد ثوار اليمن شطري بلادهم، وما إن قرروا الخلود لبعض الاستقرار حتى أعلن العالم ثورة التقنيات، وأعاد الجميع عبر بوابة «القرية الكونية» فإذا بنا نكتشف لأول مرة أن بوسعنا بنقرة واحدة على «الماوس» الدخول إلى عالم يمني آخر، يعيش أوج بطولاته ومعجزاته الخارقة تحت لواء «جمهورية البوكيمون». لن يتطلب الأمر جوازات سفر، ولا طائرات للدخول إلى عالم «البوكيمون» بل يكفيكم الجلوس أمام الانترنت لترون طائرات الملكيين وقد مسحت اليمن من خارطة الجزيرة العربية، وهراقلة التشطير وهم يحتفون في ملاهي بيروت بزعيمهم «المفدّى» وفي صباح كل يوم يعلنون عن تشكيلة حكومية جديدة.. ويفرقون الأوسمة والنياشين على «رفاق النضال». في «جمهورية البوكيمون» يتفاجأ المرء أن كل الذين انتفضت الملايين اليمنية ضدهم، بذلت الغالي والنفيس لتطهير اليمن من رجسهم قد عادوا مجدداً يتباهون ببطشهم واستبدادهم، ومجازرهم التي فتكوا بها عشرات آلاف الأبرياء، وبالسجون، والاغتيالات والمدفونين أحياء، والمقتولين سحلاً، وبكل المعاناة التي جرعوها الشعب المسكين قبل أن يتحولوا إلى ذلك العالم الغريب، الذي كل من فيه يسمي نفسه «مناضلاً بطلاً» لأن عالم «النت» وحده من يضع «أبطال البوكيمون». في جمهورية الزعيم «بيكاتشو» - الذي يطيب له بذخ ملايين الدولارات على رؤوس الراقصات - كل بوكيمونات الانترنت تقف في طابور الحقائب الوزارية والمناصب الحكومية، ولا يوجد أحد اطلاقاً لا يترقب منصباً وسيارة، وبيتاً في أرقى الأحياء.. لذلك كلهم يمضون ليلهم ونهارهم يحلمون بأمجاد هذه الإمبراطوريات التي بنوها في ثنايا الشبكة العنكبوتية.. بل أيضاً يتوعدون بالويل والثبور كل من عارضهم، أو صارحهم بأنهم «يحلمون» وأنهم لا وجود لهم إلا في العالم الافتراضي للبوكيمون.. وبالمناسبة اسم «بوكيمون» هو مشتق من دمج كلمتين انجليزيتين، الأولى تعني «الجيب» والثانية «الوحش».. لكن سامح الله جهلاء المنابر الذين ربطوها بالدين واليهود، وسردوا القصص حولها، مثلما يفعل اليوم أولئك العائدون من مقابر الملكية والتشطير الذين رغم ضآلتهم، وصغر أحجامهم في عيون اليمنيين جعلوا من أنفسهم على شاشات الانترنت «بوكيمونات» خارقة، تفتك، وتبيد، وتنام على تلال غنائم الحروب، وتتجول في الطرقات بمواكب مهيبة محفوفة بالمستقبلين، في الوقت الذي ما إن تنقر على «الماوس» نقرة ثانية وتغادر حدود «جمهورية البوكيمون» حتى تجدهم جميعاً يصطفون بالطوابير أمام بوابات الحكومات الأجنبية لاستلام «الويل فير» - أي المساعدات المالية الشهرية المقررة للاجئين والعاطلين عن العمل. يالفضيحة هؤلاء «البوكيمونات» الذين يفنون أعمارهم في عالم من الوهم، وامبراطوريات من الأحلام، وجمهوريات هم وحدهم من يعرف في أي صفحات الانترنت تم انشاؤها، وفي أي الصفحات رفعوا قواعد قصورها الرئاسية، وفي أي المنتديات قرروا تتويج الرفيق «بيكاتشو» رئيساً. المضحك في أمر جمهوريات البوكيمون أنها لم تضع في رأسها أن الكهرباء في عالمنا الواقعي تنطفئ كل يوم خمس مرات، فننشغل جميعاً بالبحث عن الشمع وننسى أن الرفيق البيكاتشو مازال يستعرض عضلاته في عالم البوكيمون ويبحث عن شعب يهتف باسمه.. فما أغرب هؤلاء الذين يفنون أعمارهم بالأوهام!.