بقدرة تكنولوجيا المعلومات الخارقة شد الحالمون بالثورات الأسطورية رحالهم إلى عالم الديجتال، ليعلنوا لشعوب الكرة الأرضية من علو واجهات الانترنت انقلاباتهم الكبرى، وثوراتهم التي لم يعرف لها التاريخ مثيلاً، وانتصاراتهم الساحقة التي نجحت خلال أقل من شهر في إشهار عشرات الجمهوريات والممالك اليمنية ومئات الزعماء الخالدين. ما أطلق عليه العالم اسم (الثورة) المعلوماتية كان في اليمن (انقلاباً) معلوماتياً، أحدث اجتثاثاً لكل الحقائق اليمنية قادته (البوكيمونات) الثورية من داخل غرف نومها عبر لوحة مفاتيح الحاسوب، والشبكة العنكبوتية التي ما أن تغفل عنها ساعة واحدة ثم تعود إلا وتتفاجأ بأن (البوكيمونات) الثورية قد اجتاحت عدن وأصدرت بيان إعادة تشطير اليمن. وقبل أن تسترد أنفاسك وأنت تنقل لأصدقائك أهوال الصدمة، سيدهمك خبر جديد من موقع مجهول الهوية يؤكد لك أن مئات آلاف النساء المتظاهرات في تعز تضامناً مع (كرمان) أغلقن الطرق ودهمن المقرات الحكومية وأنهن في (هذه اللحظات) يحاصرن المحافظة بعد فرار الأجهزة الأمنية!!. في زمن (البوكيمونات) الثورة لا يتطلب الأمر من المرء سوى تحريك (الماوس) نحو أحد محركات البحث الإخبارية لتكتشف أنك لم تك مواطناً في الجمهورية اليمنية، فكل حزب وتيار ومنظمة يعلن عن دولته وقانونه ويزف التهاني على النت، ويروي ملاحمه البطولية، ويتغزل بزعيمه الملهم قائد الثورة البوكيمونية. ومن المتوقع جداً أن تقرأ خبراً في أحد المواقع الألكترونية يؤكد أن (الثوار) قتلوك وسحلوا جثتك في الشارع, وان شيخ القبيلة الفلانية أصدر بياناً مؤيداً لما حدث.. ففي زمن امتهان المهنة الإعلامية وضياع روادها في زحام الفوضى الالكترونية لم تعد هناك أي حقيقة فيما تبثّه المنابر، ولا خيار أمام أحدنا غير إغلاق جهاز الحاسوب، والنظر من نافذة المنزل ليتأكد أن اليمن مازالت بخير، وأن (البوكيمونات) الثورية لم تكن سوى أحلام قوى عاجزة تغفو على مداكي المقايل وتخدعها نشوة القات بأن ملايين الثوار تحملها على الرؤوس إلى أروقة القصور الرئاسية. قد يخيل لساحة الرأي العام الشعبية أن هذا الصخب الالكتروني والهدير (الثوري) على مواقع الانترنت نتاج حشد مؤسسي وجماهيري, إلا أنه في الحقيقة ليس سوى مطابخ حزبية تدار معظمها من قبل أفراد داخل مقاهي الانترنت، وإن كل حزب وتيار يجند أشخاصاً للتعليق في المنتديات والمواقع الإخبارية بما يخدم مصالحه، ويحوله من قزم لا يعرف له المواطن وجوداً في الساحة اليمنية إلى (بوكيمون) ثوري عملاق يسطّر الملاحم ويسقط الأجنة في أرحام الأمهات من هول جبروته ومعجزاته الحزبية، وكل يضحك على الآخر فيما الشعب كله يدفع الثمن باهظاً حين لا يجد منبراً يتبنى همومه، ويوصل صوته إلى صناع القرار. يكاد واقعنا اليوم على الصعيد الإعلامي يقترب من عالم الديجتال الافتراضي وأفلام (البوكيمون) يعني وحش الجيب - الذي يصنع الأهوال ويثير الفزع في النفوس بتخيلات تنسجها الرؤوس في الساعة السليمانية – حتى تسلل القلق إلى الساحة الخارجية وتشوهت صورة اليمن واليمنيين وتضررت المصالح الاقتصادية، وبات المغترب اليمني هو الأكثر شبهة بنقاط التفتيش في دول المهجر جراء ما جنته منابر الإعلام عليه!. كنا نتمنى في الأمس نشر ثقافة الانترنت, لكننا اليوم نحمد الله أن فئة صغيرة جداً من الناس تقاسي كوابيس الجحيم الالكتروني فيما بقية الشعب ينعم بحياته الواقعية, ومهما كانت بساطتها فإننا نحسده أنه لا ينام مثلنا مفزوعاً بأهوال البوكيمونات الثورية!!.