من أساس العنوان يمكننا التوقف أمام مستويين إجرائيين: المستوى الأول يتعلق بالنص أي بالمبدع، والمستوى الثاني يتعلق بالقراءة أي بالمُتلقي، وإذا نظرنا إلى هذين المستويين من زاوية نقدية جمالية فإننا سنكتشف دون أدنى ريب أنهما ليسا مُتفاعلين فقط، بل إن كل طرف منهما يلتبس بالآخر التباساً عضوياً، ويصبح المؤلف قارئاً والقارئ مؤلفاً.. المبدع متلقياً والمتلقي مبدعاً، وتلك لطيفة من لطائف النقد الجمالي الذي يُبحر بنا إلى حالة من التناص الشامل بين الإبداع ومصائره، ومن هنا جاز القول بسُلطة النص وتعدد القراءات، فالنص حمّال أوجه، فهو مكتوب ومسموع ومقروء، وهو إلى ذلك متصل بجوانيات الأنا المبدعة وبحالة المتلقي الثقافية والنفسية والروحية، كما يتصل أيضاً بموسيقى الوجود وتقلبات الظواهر، ذلك أن النص المكتوب مُعادل بصري وموسيقي واشاري وجمالي ودلالي، وهو بهذا المعنى يبدو لا متناهياً حتى وإن كان محكوماً بضوابط ولوازم واضحتين. لايستمد النص سُلطته من كونه مكتوباً فقط كحال الشعر، بل إن سُلطة النص تمتد لتتاخم النصوص البصرية والموسيقية، فالشعر يستمد غنائيته الظاهرة والمستترة من الموسيقى وشاهدها الأول أبحر الخليل ابن أحمد الفراهيدي التي استمدها من الايقاع الموسيقى، ثم تتابعت تلك الأبحر في تجربة الشعر العربي لتصل إلى ماسُمي الشعر الحر أو شعر التفعيلة، وحتى التواشج الضمني مع الغنائية الصادرة عن النصوص " الشعرية النثرية " . وعلى المستوى البصري كانت الصورة الشعرية وما زالت مُحايثة للصورة بشكليها المُجسّد والمُجرد، وحتى الغياب في مجاهيل التضبيب البصري للصورة المفاهيمية فيما يُمكن تسميته بجواهر الحقائق التي تتحول إلى فصوص لنصوص مفتوحة .