الحرية، حرية التعبير، حرية الحلم، حرية التحليق في فضاءات شاسعة..هي ذاتها هموم الكتابة التي حازت جائزة نوبل للآداب لهذا العام. الكاتبة هيرتا مولر التي فازت بجائزة نوبل للأدب لهذا العام كان لديها احلام الفنان تلك التي لا ترسم حدودها أجهزة السياسة ولا نظرياتها الأدبية محدودة الأفق. ولدت في 17 أغسطس عام 1953 ونشأت في قرية رومانية تسكنها أقلية ناطقة بالألمانية. كان وضع الأقليات في أوروبا الشرقية من بين مواضيع محظور الحديث عنها ففي ظل نظام الكل ينتمي للمجموع لا حاجة للحديث عن اكثرية واقلية كما كانت فلسفة النظام في رومانيا آنذاك. نفيت ام مولرإلى أحد معسكرات الاعتقال في الاتحاد السوفييتي بعد الحرب العالمية الثانية، و حرمت هي من العمل في تدريس الألمانية رغم حيازتها شهادة من جامعة تيميشوارا. ومع انهيار المعسكر الاشتراكي في يوغوسلافيا السابقة وجمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق ولدت اجواء النشأة الادبية الاوسع لمولر. بدأت الكتابة والنشر في بلدها رومانيا حيث نشرت أول أعمالها عام 1982، لكنها بعد فترة قصيرة عافت مقص الرقيب والتضييق المعيشي والأمني وهاجرت إلى ألمانيا عام 1987 . في روايتها "أرض البرقوق الأخضر" تصور مولر رجال النظام كلصوص للبرقوق وتحاول مولر، من خلال لغة شاعرية غنائية، خلق عالم مواز لعالم البشاعة المادية والروحية التي تميز واقع الحياة الذي تتناوله روايتها. كان عالم من الوحشية والغباء لكنه كان واقع حياتها الماضية كما تسعى الرواية الى تصويره. وفي روايتها "الموعد" تتجسد الخيانة والخداع في أكثر من مستوى وعلى أكثر من مسار، انها ملامح نظام تشاوتشيسكو الذي عايشته. تتميز لغة مولر الروائية بالشاعرية والصدق الجارح في تصويرها للحياة في رومانيا. لكن النقاد يرون في اعمالها انها تهتم باللغة أكثر من اهتمامها بالفعل، في جنس أدبي يرى البعض أنه قائم على الفعل وهو الرواية . من رواياتها الشهيرة أيضا "جواز السفر" التي نشرت العام 1986 في المانيا وترجمت في العام 1989م. لم تكن مولر وحدها التي هربت من رومانيا إلى ألمانيا بحثاً عن الحرية، فبعض شخصياتها الروائية فعلت الشيء نفسه، والملفت للانتباه أن واقع الحياة في رومانيا وغياب الحرية بقي يطاردها ويعذبها. ما يميز شخصيات مولر ان الرقيب الداخلي يظل ملازما للمسافرين هروبا نحو الحرية فلا يسعدهم الوطن الجديد ولا يسعدون بإمكانية بدء حياة جديدة في عالم خال من الملاحقات البوليسية وتقييد الحرية. ويبدو أن هذا أو شيئا شبيها به حصل مع الكاتبة نفسها، فهي وإن غادرت الظروف الكئيبة في بلدها إلا أنها استحضرتها في رواياتها، وكأن الوطن الذي هجرته يلاحقها حتى في منفاها. هربت مولر اذن من عالمها التي كانت فيه الى عالمها الذي ظلت تحمله.