أرقام فلكية نقرأها من حين لآخر في التقاريرالأمنية لكميات المواد المخدرة التي يتم تهريبها وضبطها في اليمن، ومع أنها تقع بأيدي أجهزة مكافحة المخدرات إلا أن المسئولين يشعرون بقلق متزايد من هذا الخطر القاتل الذي يستهدف الفئة الشبابية على وجه الخصوص. مؤخراً تبين لنا أن مصدر قلق دوائر مكافحة المخدرات لا يعود إلى مكر المهربين، أو الأساليب المعقدة التي يهربون بها المخدرات، أو الخبرات المحدودة لأفراد الشرطة المعنية، بل إن مصدر القلق هو أن المجتمع نفسه غير متعاون مع الأجهزة الأمنية، وكذلك بعض المؤسسات الدستورية كالبرلمان، غير مستشعرين لفداحة الأخطار المترتبة عن ظاهرة تعاطي المخدرات، ومن يقف وراءها. من الحقائق التي عرفناها أن جميع كميات «الحشيش» التي يتم ضبطها في اليمن لم تكن تستهدف السوق اليمنية، بل إنها تتخذ من الأراضي اليمنية محطة «ترانزيت» للوصول إلى الأسواق المجاورة.. لكن جزءاً كبيراً جداً من «الحبوب» المخدرة التي يتم ضبطها كانت في طريقها إلى الأسواق اليمنية، بعد أن وجدت رواجاً كبيراً في أوساط الشباب الذين يجدون من يقنعهم بأنها «حبوب السعادة» التي تمنحهم احساساً بالراحة، وتزيل كدرهم. المعلومة التي كنت أجهلها وسمعتها مؤخراً من مدير أمن تعز في حوار صحافي هي أن اليمن ليس فيها قانون يحرم تداول هذه الحبوب، ويدين المتاجرين بها، لذلك فإن الأجهزة الأمنية التي تدرك عظمة خطورتها تضبط أصحاب الصيدليات التي تبيعها، لكن سرعان ما تطلق سراحهم النيابة لأنها لا تجد نصاً قانونياً تسند قرارات حبسهم إليه، فهذه الحبوب تصنف ضمن القوائم العلاجية الطبية. إذن نحن أمام مشكلة تشريعية لم تجد من يحركها داخل البرلمان.. وأمام مشكلة مجتمع لديه الاستعداد للتظاهر عاماً بأكمله لأغراض حزبية وليس لديه أدنى استعداد لكتابة بيان مناشدة يطالب وزارة الصحة بتبني تحريك القضية في البرلمان لحماية أبنائه.. وكذلك نحن أمام مشكلة أسرة يمنية لا تهتم بمتابعة أبنائها، ومراقبة التغيرات السلوكية التي تطرأ عليهم.. وكثير منها حتى لو رأت أحد أبنائها يبتلع حبة مخدرة فإنها تجهل ما هي، وما أضرارها.. والمشكلة الأخيرة هي أن الإعلام يقف متفرجاً أمام الظاهرة، ولا يكترث للتوعية الشعبية، ولا يمارس أي ضغط على الجهات الصحية التي تمنح تراخيص استيراد هذه الحبوب أو تتجاهل تشديد الرقابة على تداولها داخل أطر علاجية صارمة. ويبدو أن كثيراً من الناس لم يبلغهم العلم بأن من يقوم بتجارة المخدرات هم التنظيمات الإرهابية وأنها تمثل المصدر الرئيسي لتمويل عملياتهم الإجرامية.. فهذه المواد المخدرة تكلف مبالغ طائلة جداً، والمتاجرة بها تعتبر مغامرة بملايين الدولارات، لذلك لا أحد يستطيع خوض هكذا مغامرة إلا إذا كان مستعداً للفتك بكل من يعترض طريقه، وهو ما تفعله الجماعات الإرهابية وبفتاوى دينية. اليوم أصبحت الكثير من القوى السياسية تستخدم الحبوب المخدرة لكسب الشباب إلى صفوفها، ومن ثم زجهم في أعمال شغب تخريبية واستغلالهم في النهب والنصب وجرائم القتل، لأن هذه الحبوب تجعلهم في حالة نشوة عاطفية نفسيه تعطل قدراتهم العقلية في التفكير وإدراك العواقب، الأمر الذي أصبحنا نسمع عن شباب يضربون أمهاتهم، أو يقتلون آباءهم، أو يعتدون بفعل شاذ على آخرين ويرتكبون الكثير من الجنايات بغير وعي جراء وقوعهم تحت تأثير المخدرات. نعتقد أننا جميعاً مسئولون قبل الأجهزة الأمنية عن حماية أبنائنا وتحذيرهم من هذا الداء القاتل والمشاركة من مواقعنا في مكافحة المخدرات.. فالظاهرة تجاوزت خطوطها الحمراء.