الحكم على صحيفة «المصدر» الأهلية كان بمثابة الصاعقة التي نزلت على الأسرة الصحافية كلها، ففي ظني لم يكن حتى أكبر المتشائمين يعتقد أن القضاء يمكن أن يصدر حكماً بمثل هذه القسوة .. وأتحدث بشكل خاص عن حرمان رئيس تحرير صحيفة «المصدر» الزميل سمير جبران من العمل كمحرر ومن رئاسة تحرير الصحيفة لمدة عام ، بالإضافة إلى حرمان كاتب المقال الذي نشرته الصحيفة من الكتابة مدى الحياة أو بصفة دائمة ، لا فرق . لا يريد أحد أن يتدخل في أمور القضاء ؛ فأهل مكة أدرى بشعابها ، ونحن نحترم أحكام القضاء ونجلّ رموزه ، لكن الحكم لم يكن منتظراً ، صحيح أنه لم يكن الأول من نوعه ، بل سبقه حكم مماثل في قضية الزميل جمال عامر قبل سنوات عدة، لكأن القاضي يصدر حكماً بالإعدام ، فمنع صحافي من الكتابة ، سواء كان مدى الحياة أم لمدة يوم ، هو تقييد لحريته ، تماماً كالقاضي إذا ما حُرم من ممارسة مهنته كمصلح بين الناس. كان على القضاء أن يدرس قضية «المصدر» بتمعن كبير وبتمهل أكبر وأن يكون الحكم مستنداً إلى حيثيات كثيرة ويكون الحكم متناسباً مع حجم الجرم المرتكب ، وتوجيه الصحافة إلى الطريق الصحيح ، ولا أعتقد أن الجرم الذي ارتكبته «المصدر» يستحق مثل هذا الحكم القاسي، مع إقراري بوجود أخطاء يقع فيها الزملاء الصحافيون الذين يكتب بعضهم دون ضوابط تحت سقف الحرية الصحافية ، لكن على القضاء أن يكون عادلاً عندما يقرر إنزال العقوبات القضائية ضد أي طرف ، وتحويل الحكم من عقوبة إلى تصحيح . لا شك أن هناك مقالات مسيئة يكتبها البعض ليس في حق من يكتبون ضدهم ، بل في حق الأسرة الصحافية نفسها ، مقالات تعبر عن إسفاف أخلاقي ، وهي التي تدمّر الصورة المشرقة للصحافة في أعين الناس ، سواء في الصحف الحزبية أم الرسمية أم الأهلية ، إذ أنه من الممكن أن تنتقد ما تراه ، لكن لا يجب أن تتحول الكتابات إلى قدح وذم ، ولو أردنا معاقبة صاحب كل مقال سيء لامتلأت المحكمة بمئات ، إن لم يكن بآلاف الملفات القضائية . جميعنا معنيون بترشيد الخطاب الإعلامي ، سواء في السلطة أم في المعارضة أم في الصحف الأهلية ، وإذا لم نكن قادرين على ذلك فليس هناك داعٍ لأن نفتح صحفاً مهمتها شتم الناس ، كما ليس من مهمة الدولة مراقبة ضمائر الصحافيين ومنعهم من قول ما يريدون قوله دون خوف أو قلق.