التعليم الجامعي يحظى باهتمام المجتمعات المتقدمة والنامية على حدٍ سواء باعتباره المحرك الأساسي لعجلة التنمية والرصيد الاستراتيجي الذي يغذي السوق بالكوادر البشرية التي يحتاج إليها للنهوض بأعباء التنمية في مجالات الحياة المختلفة. أهمية التعليم الجامعي ورغبة الناس في الحصول على التأهيل الجامعي زاد من العبء على مؤسسات التعليم العالي قابله أيضاً انحسار مساحة التعليم الجامعي الحكومي وعشوائية التخطيط وقلة الإنفاق عليه، كل هذا دفع إلى التفكير بإيجاد آليات ومخارج تستوعب كل هذه المشكلات. القطاع الخاص لم يتردد بوضع قدمه في منطقة كانت محرمة عليه وحكراً على مؤسسات الدولة، مستغلاً عوامل ومتغيرات دولية ومحلية فشاهدنا رجال الأعمال وحتى رجال السياسة يتجهون إلى افتتاح الجامعات الخاصة وكلها تقريباً كليات وأقسام تكاد تكون متماثلة ومشابهة للجامعات والكليات الحكومية مما جعل منها عبئاً جديداً على التنمية وأفرزت مجموعة من المشكلات الجديدة الناتجة عن الخلل في البنية التشريعية والرقابية المنظمة لعملها. استنساخ تجارب الآخرين بصورة مشوهة وعدمية لا يمكنها أن تضع معالجات وحلولاً لمشاكلنا، فالعقلية العربية عموماً واليمنية على وجه الخصوص تقوم على أساس الربحية في كل شيء دون تمييز بين ما هو خدمي وما هو تجاري، لذلك نجد أن الجامعات الخاصة تسترد كامل نفقاتها التأسيسية وتحقق أرباحاً سريعة وخيالية، بالمقابل خدماتها التعليمية وقدراتها العلمية سيئة ولا ترقى إلى مستوى الجامعات العلمية التي يمكنها إحداث حراك تنموي واقتصادي وحتى ثقافي أو علمي بمفهومه البسيط. الخلل الذي صاحب موجة انتشار الجامعات الخاصة دفع بالجامعات الحكومية إلى ركوب موجة جديدة أطلق عليها تسمية التعليم الموازي أو التعليم بالنفقة الخاصة، وكانت هذه الفكرة تقوم على أساس استقطاب الطلاب الذين فشلوا في الحصول على المعدلات التي تمكنهم من الالتحاق بالتخصصات المطلوبة، بحيث يتم فتح قاعات ومعامل الكليات في أوقات أخرى خارج الدوام الرسمي للطلاب الملتحقين بصورة رسمية ونظامية على أن يسخر جزء من إيرادات التعليم الموازي والنفقة الخاصة للنفقات التشغيلية لهذا النظام التعليمي، ويتم استخدام بقية الأموال في استكمال البنية التحتية للجامعات والارتقاء بإمكاناتها وقدراتها العلمية وهو ما سينعكس على أدائها العلمي والتعليمي بصورة مباشرة على كل الأقسام والكليات وعلى جودة مخرجاتها العلمية، كما أنها ستوفر للكادر التدريسي مصادر دخل أخرى تكفيه عن (التنطاط) من جامعة خاصة إلى أخرى بأجور تمتهن مكانة وكرامة الأستاذ الجامعي. ماحدث لهذا النظام وهذه الرؤية (انتكاسة) فتم استيعاب طلاب التعليم الموازي والنفقة الخاصة بالمقاعد المخصصة للطلاب الملتحقين بصورة رسمية فتحولت النسبة إلى أكثر من 60% من طلاب الموازي، وحرم من الدراسة في هذه التخصصات العديد من الطلاب والطالبات الذين يمتلكون القدرة وأحقية الدراسة في هذه الأقسام وتم توزيع المقررات والمحاضرات على الكادر التدريسي بالصورة الرسمية ولم يمنحوا الحوافز المجزية التي تتناسب مع حجم الإيرادات المحققة، وبدلاً من أن يتم توفير معامل ومكتبات وأجهزة من إيرادات التعليم الموازي ليستفيد منها الطلاب النظاميون، زاحم طلاب الموازي الطلاب النظاميين على المعامل والمكتبات الخاصة التي وفرتها لهم الدولة. الأكثر سوءاً من كل ماسبق أن إيرادات التعليم الموازي تصل إلى مليارات الريالات سنوياً دون ان يكون لها نظام رقابي أو قانون ينظم إيراداتها ومصروفاتها بشفافية وهو ما أغرى الكثير من الفاسدين للعبث بهذه الإيرادات. إن تسلل الفساد إلى مؤسسات التعليم العالي كارثة وخطر يحدق بمستقبل الأجيال. لا بأس من وجود تعليم موازٍ أو نفقة خاصة لكن بشرط ألاّ يكون على حساب الطلاب المستحقين للتعليم الجامعي وعلى أن يكون لهذا النوع من التعليم أعضاء هيئة تدريس خاصة به ووجود قانون ينظم ويراقب إيراداته ومصروفاته أما أن تمنح السلطة المطلقة لفرد في تصريف هذه الأموال فإنها مفسدة.