توطئة : الغيرية مفهوم ديني ايديولوجي اتصل باليهودية التاريخية غير الموسوية، والتي انتهكت موسى النبي من خلال تعميم ثقافة "الغوييم" واعتبار الآخر الديني كافراً مفارقاً للعقيدة بحسب تصورهم، لكن هذه الثقافة "الغيرية" شملت لاحقاً حقولاً واسعة من الوجود الإنساني، فأصبحت ثقافة عرقية تتوسل السخائم السلالية، وتبحر في بورصة المفارقة المبدئية للحقيقة البشرية، ثم فاضت بظلال كئيبة على "أديان الشريعة" الملتبسة بنواميس الدنيا وصروفها، بل ساحت لاحقاً لتشمل أيديولوجيات وضعية كالشوفينية القومية والعرقية الآرية. في العالم الإسلامي تصدى نفر من العلماء لثقافة «الغوييم»، ومنهم ابن دريد الأزدي. من الإشارات الدالة في تعاطي ابن دريد الأزدي اليماني مع اللغة والكلام إنه مال كثيراً للتعريب وفاض بالاشتقاقات حتى يخيل لقارئ بعض نصوصه أنه يتموضعُ في العصر الجاهلي كما أسلفنا، غير أنه وبقدر نزعته الإحيائية لقديم الكلام كان يدخل الكثير من المصطلحات والمفردات القادمة من أزمنة الثقافة الإنسانية التي تماوج معها ابن دريد. ومن لطائف نصوصه الجامعة إنه بقدر إقامته في بيان الكلام وتضاريس معانيه المعقدة كان يسترخي أحياناً في أحضان الغنائيات النصّية المموْسقة مما يمكن ملاحظته في بعض نصوصه، وهذا البُعد على وجه التحديد يمثل الملمح الأكثر أهمية في إبداعات ابن دريد الشعرية، فيما يضعنا في متوالية ثقافته الموسوعية التي شكّلت ملمحاً من ملامح التكامل على عهد الأسلاف الكبار الذين لم يعرفوا جسوراً وحواجز بين الأنواع الثقافية والفنية، ولم يكونوا ممسوسين بأيديولوجيا "الغيرية" التي هلكت العباد والبلاد .