ليس في العالم مايمكن وصفه «شعب كسول» وآخر«نشط أومجتهد» فالتركيبة الفسيولوجية للبشرية واحدة، لكن هناك بيئة محفزة على العمل والابداع وأخرى مثبطة للهمم .. كما هو الحال عندنا في اليمن. تعتقد الغالبية من اليمنيين أن المجتهد في العمل هو الأتعس حظاً في مؤسسات القطاع العام، لأن الكسالي وكثيري التسرب من الدوام والمشاغبين هم الأوفر حظاً في الحصول على مكافآت، وإجازات، وإيفاد، ومركز وظيفي أعلى، بحكم أن «وقاحتهم» تكفل لهم كل ذلك.. ويعزون السبب في ذلك إلى أن هناك ثقافة سائدة لدى المسئولين التنفيذيين بأن «الترضية» هي أقصر الطرق للتخلص من الشغب، والمشاكل التي تخلقها تلك الفئة من الموظفين. الأمر الآخر الذي تثق به الأغلبية من الموظفين هو غياب الدافع للاجتهاد والإبداع في العمل، إذ أنهم مقتنعون بأنهم مهما اجتهدوا فلن يطلعوا أو ينزلوا وسيبقون يراوحون في مراكزهم الوظيفية.. ويرجعون السبب في تلك القناعة إلى أن هناك فئة «نخبوية» تدخل السلك الوظيفي بدرجة مدير وتموت وهي في المناصب العليا مثلما غيرها يموت وهو في نفس مركزه الوظيفي مهما بذل وأخلص في مسئولياته. ولعل كل مايردده الموظفون هو جزء من واقعنا الوظيفي الذي يثبط الهمم ويضعف النشاط، والانتاج، ويشجع على الشغب الوظيفي والتمرد على المسئوليات والهرم الأعلى من السلم الوظيفي.. فترضية المستهتر وظيفياً بامتيازات لا يستحقها قد يحل بعض الاستقراء داخل المؤسسة إلاَّ أنه سيكون بداية خرابها وفشلها طالما وأن المبدعين والكفاءات أصبحوا تحت رحمة الأفشل بين زملائهم، والذي ستدفعه عقدة النقص والفشل التي عاشها إلى الانتقام من كل الناجحين وإذلالهم.. كما أن وجود الثقافة الاحتكارية للمنصب ولّدت اطمئناناً كبيراً لدى بعض القيادات بأنهم مهما تقاعسوا، وأفسدوا سيبقون مدراء، ولن يتحولوا إلى موظفين عاديين.. مثلما ولّد القناعة لغيرهم بأن طريق الاجتهاد لا يؤدي إلى مركز وظيفي أعلى، ولا حتى إلى أي امتيازات إضافية تحسن أوضاعهم، وبالتالي فإن غياب الحافز قتل الإبداع ووأد الطموح. من وجهة نظري ان أي اصلاحات لشئون البلد يجب ان تبدأ من هذه الثقافة وتعمل على اجتثاثها من أجل غرس روح التنافس، والتفاضل بالعمل الصالح، ولكي نضمن وصول أيادٍ أمينة وكفوءة إلى مركز صنع القرار لهذه المؤسسة أو تلك.. أما عندما ننشغل بالقوانين والتشريعات والتناقل بين الادارات فهو إضاعة للوقت لأن ماهو قائم مهما كانت ثغراته فهو يكفل حداً جيداً من الأداء والانتاج. إن الحقيقة التي نعترف بها جميعاً- يمنيين وغير يمنيين هي ان الشعب اليمني شعب مكافح ويمتلك طاقة هائلة على العمل، وقدرة على الصبر وتحمل مختلف الظروف، وان الفئة الطموحة من ابنائه هم الأغلبية.. وعليه فإن كل مايحتاجه هو تغيير بيئة العمل المثبطة للهمم واطلاق أبواب التنافس على أساس الكفاءة والمهارة والاخلاص.. وحينها كل الأمور تتبدل نحو الأفضل.