لا يتخلف عن الحوار الوطني الشامل إلا من كان في قلبه مرض مزمن يندر شفاؤه، حيث برهنت الساحة اليمنية بكل مكوناتها السياسية والاجتماعية أنها عند مستوى المسئولية الوطنية. وأن الشعور بحجم التحديات التي يواجهها الوطن قد حرك الفعل الوطني الغيور لدى شرائح المجتمع اليمني، وأوجد تفاعلاً شعبياً مميزاً في أوساط الجماهير التي رحبت بدعوة الدولة إلى الحوار تحت قبة مجلس الشورى. معتبرة ذلك الفعل الوطني من أقدس الواجبات التي ينبغي القيام به والإسهام الفعال شعبياً في صنع ملامح المستقبل انطلاقاً من مبدأ «حكم الشعب نفسه بنفسه». على اعتبار أن المشاركة السياسية الشعبية في صنع القرارات المصيرية جوهر الديمقراطية الشوروية التي جسّدها اليمنيون في مختلف مراحل تاريخهم السياسي القديم والمعاصر. ولئن كانت القوى الوطنية الحية في ساحة الفعل الوطني قد تفاعلت مع دعوة الحوار؛ فإنها تدرك أن مقتضيات المرحلة المقبلة تتطلب مشاركة فاعلة من المجتمع بكل مكوناته السياسية والاجتماعية. على اعتبار أن التعديلات الدستورية المتعلقة بإصلاح النظام السياسي وتحديث النظم الانتخابية لا يمكن أن تختزل في عدد محصور من الأحزاب والتنظيمات السياسية التي ربما لا ترى إلا بعين القائمين عليها ذوي المصالح النفعية وتتجاهل الشعب صاحب المصلحة الحقيقية في أية إصلاحات سياسية أو انتخابية. ولذلك كله جاءت دعوة الدولة إلى الحوار الشامل والمانع الذي يحقق الصالح العام ويتجاوز النظرات الجزئية القائمة على النفعية الخاصة ويقطع الطريق على الذين لا يجيدون في حياتهم السياسية غير المزايدة والمناكفة وممارسة سياسة الابتزاز والانتهازية والمتاجرة بالقضايا الوطنية من أجل المكاسب الرخيصة. إن عملية الحوار التي ستنطلق تحت قبة مجلس الشورى في 26 ديسمبر الجاري تُعد انطلاقة جديدة نحو صنع المستقبل بمشاركة شعبية فاعلة تتعدى التكتيكات الحزبية وترقى إلى مستوى طموح الجماهير صاحبة المصلحة الفعلية في الفعل الوطني المحقق لآمالها وطموحاتها؛ الأمر الذي يعمق الشرعية الدستورية ويفرض هيبة الدولة، ويجعل الناس كافة أكثر رضا وقبولاً بما سيسفر عنه ذلك الحوار الوطني الواسع. وبناءً عليه، فهل تدرك أحزاب اللقاء المشترك هذه الفرصة الذهبية وتسارع إلى المشاركة بفاعلية في مجريات الحوار وتطرح رؤاها التي تدّعي أنها تمثل إجماعاً لكل مكوناتها الحزبية، أم أن الإصرار على الخطأ مازال مسيطراً على عقليات القيادات العليا في هذا التكتل المشئوم؟!. نأمل أن لا يكون الوضع كذلك بإذن الله.