قاعدة قرآنية عظيمة الشأن، بالغة الخطر تؤكد أهمية الإرادة في حسم الخلاف بين الفرقاء من أي نوع كان هذا الخلاف أو التخاصم، سواء كان بين الزوجين أو بين الحزبين أو الفريقين، يقول الله تعالى في محكم كتابه العزيز: «إن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما». أما إذا لم يريدوا إصلاحاً، وإنما أراد كل طرف من الأطراف أن يفرض عناده أو قناعاته أو مصالحه الذاتية على الآخرين، فكيف يأتي الاتفاق؟ ليس الأمر مقصوراً على الخلافات الزوجية، وإنما هو حكم عام، يرشدنا الله تعالى فيه إلى أهمية الإرادة في حسم النزاع أو الخلافات على كل المستويات. إذن فالقصة هي: هل توجد إرادة في حسم هذه الخلافات التي طال أمدها بين الدولة والمعارضة؟ فإذا وجدت الإرادة من كلا الطرفين أو من جميع الأطراف التي يتكون منها الطرفان فإن نصف المشكلة تكون قد حُلّت ولم يبق سوى أن يصدق كل طرف النية، بمعنى أن تكون نيته صادقة في أن يتوصل مع الآخر إلى حلول ترضي جميع الأطراف على قاعدة: «لا ضرر ولا ضرار». وعلى أساس: «لا ظالم ولا مظلوم».. «لا مهزوم ولا منتصر» بل الكل منتصر ولماذا يكون هناك مهزوم إذا كان الهدف هو أن يتوصل الجميع إلى معرفة الحقيقة التي تاهت أو ضاعت وسط هذا الركام من التراشق بالألفاظ وتبادل الاتهامات.. لن يكون هناك طرف مهزوم ما دام الهدف هو سعي الجميع في إنقاذ اليمن من أطماع الطامعين وجشع المتنفذين وكيد الخائنين وتربص المتربصين في انتظار اللحظة الحاسمة للانقضاض على الوحدة، وتفتيت اليمن إلى كيانات صغيرة، ذليلة ومهانة. فإذا وجدت الإرادة الصادقة دون مخاتلة وصدقت النيات وصفت القلوب وتطهرت النفوس من أدران الضغائن والأحقاد والنيات المبيتات التي تنتظر تصفية الحسابات فإننا بذلك نكون قد قطعنا شوطاً مهماً في ردم الهوة التي أخذت تتسع يوماً بعد يوم حتى لكأنها تنذرنا بأن بلادنا الحبيبة توشك أن تنزلق إلى هوة مخيفة، ليس من السهل خروجها منها! نحن بحاجة اليوم إلى فرقاء على قدر كبير من الحكمة والتجرد عن أهواء النفس، لأن الحلول ليست عسيرة إلاَّ إذا حالت دون تحقيقها المصالح الأنانية الذاتية والأهواء الحزبية .. إذا وجدت الإرادة وصدقت النيات في إنقاذ اليمن من مغبة الخصومات والأطماع والأحقاد، فإنه يستلزم بعد ذلك حسن اختيار الأشخاص في «الحوار» من حيث صدقهم وأمانتهم ونزاهتهم وإخلاصهم ليس لأنفسهم أو أحزابهم أو من يمثلونه وإنما يكون الإخلاص لله تعالى ثم للوطن وللمبادئ والقيم والأخلاق التي جاء بها الإسلام. إن هذه الدوامة التي أخذت تقوى وتشتد يوماً بعد يوم كفيلة بأن تبتلعنا فلا تبقي شيئاً في مكانه إلا أتت عليه.. يا عقلاء اليمن.. يا علماء اليمن: أين ذهب صوتكم؟ أين تقف إرادتكم؟ ألا ترون أن اليمن بحاجة إلى عقول العلماء وحكمة العقلاء وقلوب الأتقياء فأين ذهب أولئك كلهم؟ أين ذهب الشجعان والأوفياء لعقيدتهم؟ أين ذهب الذين لا يخافون في الله لومة لائم؟ أما ترون هذا الجو المشحون بكل ألوان المخاوف والانفعالات هل ترونه قد أتى من فراغ؟ أما ترون أن اليمن قد صارت مطمع الطامعين وأن هناك جهات تمد الساحة اليمنية بأسباب التوتر؟ وأن هناك في الداخل من يستفيد من المعارك في شمال البلاد وهناك في الداخل من يستفيد من توتر الأوضاع واشتعالها في جنوب البلاد؟ وكأن ذلك لا يحرك لكم ساكنا. هذه فرصة «للحوار» لا يجب أن تذهب دون أن تكونوا قد وضعتم بصماتكم على مجرياتها. هذه النظرة المستعلية أو المتعالية على الواقع المتردي الذي تعيشه بلادنا من جانب العقلاء والعلماء وأصحاب الحل والعقد في طول البلاد وعرضها، تجعلنا نظن أن سحابة داكنة عظيمة الخطر قد علت فوق سمائنا فأصابت أول من أصابت عقلاء اليمن وحكماءها وعلماءها بأمراض الخمول والغفلة واللامبالة فأصبحوا في حكم الغائب أو «العثير» العاجز الذي لا حول له ولا قوة. هذه الدولة تستنهض هممكم، فماذا تريدون أكثر من أنها تدعوكم إلى الحوار.. أن تقولوا رأيكم السديد في من يقف وراء هذه الفتن المشتعلة والعدوانية المتواصلة. هذه اليمن إذا لم تلذ بعقلائها وحكمائها وعلمائها بعد الله تعالى فبمن عليها أن تلوذ؟؟ أيها الفرقاء جميعاً: إن تريدوا إصلاحاً يوفق الله بينكم، وإن أردتم مكراً، فالله خير الماكرين.