علم الجمال ضرورة مطلقة في الزمن الثقافي والإبداعي العربي، باعتبار أنه علم التواشج الشامل بين الرؤية والأدوات التعبيرية الفنية من جهة.. وبين الخصوصية والتاريخ من جهة أخرى، فهذا العلم الذي خرج من أعطاف النقد والفلسفة يجعلنا نقرأ ظواهر الحياة المادية والروحية، وملاحم الفنون والإبداع بأدوات متجددة، وبرويّة في النظرة، واستيعاب شفيف لمعنى تلاقح الشكل والمضمون، وكيف أنهما وجهان لعملة واحدة. الآداب الإنسانية بجملتها، بما في ذلك الآداب الدينية تمثل روافد كبرى لإغناء مفهوم الجمال وتجلّيه في الأنواع الفنية وما يتفرع عنها من فنون تطبيقية شعبية، وشواهد فولكلورية، وأنماط حياة. إذا أخذ القائمون على الأداء الإعلامي بأشاله المرئية والمسموعة والمقروءة بنواميس الجمال وقانونياته، فإن الارتقاء بالإعلام سيكون مشهوداً. علم الجمال يتصل بالفلسفة والفلسفة بحسب التعريفات السائدة هي علم أعم قوانين الكون والطبيعة والمجتمع، وبهذا المعنى تعتبر الفلسفة علم العلوم، ومن هذه الزاوية بالذات يمكننا إدراك معنى الشغف اللاإرادي بالفلسفة، فللناس فيما يعشقون مذاهب كما قيل قديماً، وأذكر أن قراءات الكلاسيكيات الفلسفية المادية الأوروبية تفضي إلى تتبع الجدل الخلاق بين الفلاسفة والدين فيما سمي على تلك العهود العلاقة بين الشريعة «الدين» والحقيقة «الفلسفة»، وقد كانت لمسارات البحث الفكري في هذا الجانب انزياحات عظيمة منذ التاوية والبوذية والزرادشتية الآسيوية، وحتى الأغارقة الذي عقدوا صلحاً تاريخياً بين الفلسفة وآلهة الأولمب الميتافيزيقية، وصولاً إلى جدل الكلام عند المسلمين. أعتقد أن الفلسفة ضرورة في حياة الإنسان عطفاً على أسئلة الوجود والكون والطبيعة التي كانت وستظل ماثلة، وقد دللت قصة إبراهيم الخليل عليه السلام المروية في القرآن الكريم على المسارات الطبيعية التي يمر بها الإنسان المتسائل الحائر، وكيف أن الشك والتساؤل مدخل لليقين الإيماني، وللتسليم بنواميس القدر الإلهية، وسنرى ذات القصة مروي بلسان الإمام محمد بن محمد حامد الغزالي في كتابه إلهام «المنقذ من الضلال» الذي ضمنه سيرته المعرفية الذاتية، وكيف أنه تمرغ في مرابع الحيرة والتساؤل والشك حتى وصل إلى اليقين. وكما عند ابن رشد ومارتن لوثر الأول سنرى أن الشريعة والحقيقة يمكنهما أن تلتقيا عند تخوم الفضيلة، لكن مارتن لوثر بدا أكثر جذرية في تأصيله لرؤية ابن رشد مما لا يتسع له المقال هنا.