في الصين تجاور الفن التاريخي الصيني والذي مازال يعيد إنتاج تقنياته بكيفيات متصاعدة .. تجاور فن التصوير الصيني مع الفلسفة التاوية الصينية التي ترقى عندهم إلى مستوى العقيدة . لا يتجسد فن التاو الصيني في اللوحة فقط، بل أيضاً في العمارة والمشغولات اليدوية، حيث نلامس القاسم المشترك بين تلك الفنون من حيث المرجعية الفكرية الدلالية، وطرق التعبير وحتى الأدوات المُستخدمة والمُستمدة من عناصر الطبيعة، والمعروف أن فلسفة التاو تقوم على الاعتداد بالفراغ واعتباره السبب الأكبر للامتلاء، بل إن الفراع البصري عندهم يتوازى مع الحقيقة المجردة، فالامتلاء عارض والفراغ جوهر، وهذا الأمر يستتبع إشارات ولطائف هامة أبرزها: فكرة الصمت بوصفها أبلغ تعبير، والدأب في الإنجاز تدرجاً من الصغير إلى الكبير. وقد قرأت في أُسطورة صينية أعاد إنتاجها «ماو تسي تونغ» أن شيخاً معتوهاً تمكّن من إزاحة جبيلن عندما قرر أن يفعل ذلك، وظل يعمل لعشرات السنين حتى أزاحهما فاتحاً طريقاً سالكاً بين قريتين كانت تلك الجبال تحد من اتصالهما!!، والإشارة هنا أنه بالعمل الدؤوب يمكن إنجاز المعجزات، وبالصبر يمكن تحقيق المستحيل، وهذا ماتفعله الصين عملياً. الفراغ الوجودي مثال للتاو الصيني، والطبيعة تجسيد لقوانين الكون والوجود والانسان، وهذا يتّصل أيضاً بالبوذية والكونفوشيوسية والمانوية والزرادشتية، الأمر الذي يوضح لنا صلة الفنون الإنسانية بالمرجعيات والعقائد والأديان والايديولوجيات. وعليه يمكن القول إن الفن الإسلامي ليس بدعة في هذا الباب، ولا هو اجتراحاً استيهامياً مفارقاً للطبيعة الشاملة للفنون الإنسانية، فالفن الإسلامي كغيره من الفنون أعاد نتاج الرؤية الإسلامية للوجود والكون وما يتجاوزهما، وضمن متوالية سنقف عليها تباعاً.