- د. عمر عبد العزيز .. أفهم الفراغ بوصفه امتلاءً، ولا أجد تناقضاً بين المستويين الظاهرين. مثالي على ذلك فن "التاو" عند الصينيين والذي ينطلق من قراءة للفراغ بوصفه امتلاءً، فالتاوي الصيني يختزل عناصر موضوعه الفني إلى أبعد الحدود لأنه يرى الفراغ الماثل في الطبيعة باعتباره مُترعاً بالعناصر غير المرئية، وبالتالي فإن مفهوم "الفراغ/ الامتلاء" ينزاح بنا إلى فضاء اللامرئي باعتباره الفضاء الأكبر والأكثر اعتماراً وامتلاءً، والحقيقة الفيزيائية المجردة ترينا أن حدود إبصارنا لا تتعدى المرئيات التي نستطيع رصدها عبر عدسة العين وبالتالي فإن ما لا نستطيع رصده عبر عدسة العين أكثر بما لا يقاس مما نراه، فما بالك بالغيوب الأكثر عظماً وهولاً من البكتيريا والكائنات السابحة في الأثير؟ استتباعاً لذلك كانت الفنون الإسلامية ومازالت تعمد إلى تعبئة الفراغات المرئية مؤكدة استحالة تجاوز الفراغات حتى عندما يطال الأمر الزخرفة الحروفية والنمنمة والرقش، كما نجد في العمارة المساجدية الإسلامية اعتداداً أساسياً بالفراغ المرئي والوظيفي، فالساحات المفتوحة والأروقة الواسعة والأقواس المتراصة باتجاه الأفق الفراغي، والأبواب المشرعة على الآماد الأربعة. كل هذه الفنون التعبيرية الوظيفية في العمارة الإسلامية تتمحور حول الفراغ ومقتضياته البصرية والعملية والعبادية. مما سبق يتضح أن القول بغياب الفراغ في الفنون الاسلامية ينطوي على شيء من التسرع، والشاهد ان الفراغ ليس رديف المرئي المباشر كما هو حال اللوحة الصينية التاوية، بل يتواجد أيضا في الازدحام الظاهر ولكن بصورة أخفى وأكثر شفافية، فإذا كانت الزخرفة تبدو تعميراً مؤكداً للمساحات إلا أنها تنفسح ايضاً على فراغات دلالية مموسقة بتناغمها وانسياب خطوطها، ناهيك عن تواشجها البصري مع فراغات العمارة الإسلامية التي لا تحتاج إلى برهان. [email protected]