ذلك هو العنوان المتعالق مع المنظومة الواسعة من الصور الفوتوغرافية التي يمكن إحالتها إلى مفهوم مواز يتعلق بالشرق حين يُرى بعدسات المصور الأوروبي، والحقيقة أن الشرق كان ومازال مصدر إلهام، وربما حنين من نوع خاص للفنان الأوروبي، ولعل التداخل التاريخي بين العالم العربي بوصفه مركز الشرق وتميمة رؤاه وفكره، وبين المتوسطية الأوروبية وعمقها الغائر في شمال العالم .. لعل هذه الحقيقة الجغرافية التاريخية المتصلة بتزامن تواريخ المتاهات، والتواشجات يكفي لأن يكون سبباً في الاندفاع المتبادل بين الشرق والغرب بالمعنى الواسع للكلمة، وبين العالم العربي والأوروبي بالمعنى الأكثر خصوصية. الصور الفوتوغرافية التي قدمها كوكبة من فناني الاستشراق الفوتوغرافي الغربي تعكس جُملة من الرؤى والمفاهيم، فمن الدهشة المقرونة بالاكتشاف وألوان البهاء القزحية، إلى النزعة الإحيائية الوثائقية التي تُموْضع المرئيات في أساس وتضاعيف المعاني المختلفة الصادرة عن خصوصيات الشرق وتروْحنه البائن، حتّى التنوُّع الكبير الذي كان مثاله التبويب والتصنيف والوصف. كل هذه الإشارات تشكل منظومة حقيقية للنظر إلى المُعطى المشرقي الثقافي الحضاري الذي يتنامى إلى مستوى اللُّقى الأثرية النادرة، ويُلهم حد استئناس التشكيليين الاستشراقيين بتلك الصور، والتي وإن أفضت إلى مُناكفة التصوير الزيتي، إلا أنها وفّرت أيضاً مُناخاً لإعادة إنتاج المرئيات المشرقية في المُحترفات التشكيلية الأوروبية، وبدقة دونها عين الكاميرا الباصرة واللاقطة لتفاصيل الفولكلور المشرقي الشامل والمتواصل بأنساق الأزياء والعمارة والفراغ والزخرفة والنمنمة والحروف والرقش، وغيرها من متواليات الموسيقى البصرية المشرقية الحافلة. صور الاستشراق الأوروبي تتّصل ضمناً مع الثقافة العربية ذات الجذور الدينية المتنوعة، كما أنها تمتد بجسور وجدان وإبداع صوب الحداثة اللاحقة، حتى إن فنون التصوير السينمائي التي ورثت فن التصوير الفوتوغرافي للقرن التاسع عشر، وتوالت عطاءً في القرن العشرين أظهرت درجة التماهي المفاهيمي بين الشرق والغرب حصراً، وبين العالمين العربي والأوروبي تحديداً . كوكبة المصورين والفنّانين الذين أبدعوا هذه الإضافة الهامة في ثقافة الإحياء والتأصيل المقرونة بالنظر إلى المستقبل ودواعيه أحرص الناس على ثقافة الحوار والتواشج والتناغم بدلاً من التنافي والعدمية، وتُقدم صور الاستشراق الأوروبي اختيارات فائقة الجمال والدلالة، مؤشرةً في الغالب إلى جماليات الأبيض والأسود، ومُعيدة تنغيم البُنى التكوينية البصرية، والقوالب المنظورية الدقيقة للبُعد الثالث، فيما تحملق عدسات الكاميرا لتنقل لنا تفاصيل كان يمكنها أن تندثر بعوامل الزمن وتقادم الأيام.