ومصدره الفراغ باعتبار أن الفاء تميمة الإشارة للكلمة ، والفاء دائرة تامة تتصل بنقطة ، والنقطة في الدائرة قرينة الأصل، ذلك أن الدائرة ليست إلا نقطة تكابرت ويمكنها أن تكبر إلى ما لانهاية، والمعنى هنا أن النقطة الرياضية صفر، والصفر دالة التضعيف للآحاد والعشرات والمئات والألوف وألوف الألوف، وهكذا .. كما أن النقطة ابتداء الكتابة بل بداية كل كتابة، فمن النقطة يأتي الألف وبقية الحروف، غير أن نقطة الفاء لا تقف عند تخوم الكتابة بوصفها هيئة، بل تغيم في ميتافيزيكا الوجود لتكون دالة العدم والعماء معاً، ومن هنا تنشأ المعاني الدائرة الاطلاقية للنقطة ومايجاورها، وأول المجاورين للنقطة الدائرة، وتعبيرها الرقمي الخمسة، وسياقها الموسيقى السلم الخماسي كما أسلفنا، ومن هنا نتداعى مع مدار الفاء مرموزاً له بالفراغ. الفراغ امتلاءْ !!، ولا تناقض بين المستويين الظاهرين. مثالي على ذلك فن «التاو» عند الصينيين والذي ينطلق من قراءة للفراغ بوصفه امتلاءً، فالتاوي الصيني يختزل عناصر موضوعه الفني إلى أبعد الحدود لأنه يرى الفراغ الماثل في الطبيعة باعتباره مُترعاً بالعناصر غير المرئية، وبالتالي فإن مفهوم «الفراغ / الامتلاء» ينزاح بنا إلى فضاء اللامرئي بوصفه الفضاء الأكبر والأكثر اعتماراً وخصوبة. والحقيقة الفيزيائية المجردة ترينا أن حدود إبصارنا لا يتعدى المرئيات التي نستطيع رصدها عبر عدسة العين وبالتالي فإن ما لا نستطيع رصده عبر عدسة العين أكثر بما لا يقاس مما نراه، فما بالك بالغيوب الأكثر عظماً وهولاً من البكتيريا والكائنات السابحة في الأثير ؟ . استتباعاً لذلك فإن الفنون الإسلامية التي تعتمد تعبئة الفراغات المرئية لا يمكنها تجاوز جبرية الاعتماد على فراغات موازية حتى عندما يطال الأمر الزخرفة الحروفية والنمنمة والرقش، كما نجد في العمارة المساجدية الإسلامية اعتداداً أساسياً بالفراغ المرئي والوظيفي، فالساحات المفتوحة والأروقة الواسعة والأقواس المتراصة باتجاه الأفق الفراغي، والأبواب المشرعة على الآماد الأربعة. كل هذه الفنون التعبيرية الوظيفية في العمارة الإسلامية تتمحور حول الفراغ ومقتضياته البصرية والعملية والعبادية.