يظل الحوار هو لغة العقلاء المؤمنين بالديمقراطية وبالرأي والرأي الآخر الذي لا يفسد للود قضية.. وهو لغة العصر الذي يستقيم على قواعد الديمقراطية ويتنفس بروحها ..! وفي مجتمع متضامن مثل مجتمعنا متناغم حول خياراته وثوابته الوطنية مؤمن أشد الايمان بالمشروع الوحدوي الحضاري الكبير الذي يؤسس لتنمية عادلة متوازنة وديمقراطية تتطور باستمرار، فإن التحديات عندما تبرز وتتكالب على الوطن تستدعي نهوض الأطراف السياسية الفاعلة للاضطلاع بمسؤولياتها لمواجهة هذه التحديات، حيث المفروض أن يكون الوعي الجمعي في مستوى متقدم ومستوعب لتطورات الأوضاع وليس متأخراً عنها أو غافلاً أو عاطلاً عن فهمها والتعاطي معها ..! لكن المؤسف والغريب ان هناك قوى سياسية اما انها معطلة مشلولة وغافلة ،أو انها لم تستوعب حتى الآن دورها المطلوب تجاه الوطن في المرحلة الراهنة ولم تعِ بعد المخاطر المحدقة وما يجب عليها فعله لحماية الوحدة الوطنية ومصالح الشعب العليا..! والأكثر أسفاً وغرابة أن هذه القوى حتى وهي في ذروة تناقضها إلا اننا نجدها تتلاقى في مربع التناقضات..! وعندما تلتقي المتناقضات تحت سقف واحد ويصبح اعداء الأمس حلفاء اليوم تبرز بلا شك النوايا الخبيثة والخطابات العدمية والتحالفات المشبوهة ويسقط هؤلاء جميعاً في بوتقة التهريج والعبثية.. ووسط هذا المزيج الهجين من التناقضات والمتناقضات تضيع الحكمة ويتراجع العقل وتغيب القيم ومعايير الانتماء لتتغلب المصالح الضيقة والذاتية عن المصالح الكبرى والعليا..! هذا المزيج من التناقضات مازال أصحابه يعيدون انتاج انفسهم ويعيشون أوهاماً من الماضي العقيم بنفس النوايا وذات الأفكار التي قادتهم الى الاخفاقات المتكررة لأنهم يفتقدون الديناميكية التي تصلهم بالحاضر وتحولاته وتجعلهم في مقدمة وقلب الأحداث وليس خلفها أو خارجها..! ولأنهم لسوء الحظ احترفوا التضليل والمناوأة والاعراض عن قراءة المشهد الوطني الراهن قراءة موضوعية مسؤولة، تمكنهم من حقيقة الغايات والخيارات التي تجد في الدستور حصنها المنيع ودرعها الواقي، وفي الثوابت الوطنية معينها الدافق الذي يكسب الوطن الكثير من المناعة والحصانة ضد كل الهزات والانتكاسات. دعوة الحوار الوطني اليوم فتحت الباب أمام كل القوى ومنظمات وفئات المجتمع ونخبه ومكوناته كي يشاركون ويساهمون في كنف وفاق وطني شامل ورائع الاّ من اختار الانزواء والتقوقع على الذات والانكفاء تحت خدر الأهواء الشخصية أو الاملاءات والاجندات الخارجية معروفة النوايا والمرامي.. وفي اعتقادي ان الحوار الوطني سيمضي ولم ولن يتأثر بجوقاء المناوئين والانعزاليين وترهاتهم.. لأن الحوار هو من أجل اليمن أولاً وثانياً وعاشراً، ولأن اليمن أهم وأكبر من الأشخاص والأحزاب، وسيزداد شموخاً ومناعة وإعراضاً عن هؤلاء وأولئك التائهين في السراب الذين لم ينفعوا يوماً البلاد والعباد، بل كانوا ولا يزالون اعداء الحق والنجاح واصحاب اللؤم والجحود..! كلنا نعرف ماذا فعلت القوى المتطرفة حين تكالبت عن السلطة يوماً ما، مثلما نعرف شطط اليساريين الذين تاهوا وحاولوا ان يدخلوا الناس معهم في مسالك الجدل البيزنطي العقيم ولم يفيدوا حرثاً او نسلاً.. واليوم هؤلاء انفسهم المغرضون بكل ألوانهم وتناقضاتهم واخفاقاتهم المدوية يهرجون بحثاً عن ضحية يشبعوا فيها لطماً، ولا يتقدموا خطوة بالاتجاه الصحيح، اذ يحاول هؤلاء بفكر دغمائي حشد كل الصور والمشاهد الدراماتيكية للأوضاع الراهنة، ولكنهم لا يقتربون من باب الحلول لها وتجاوزها..! وليس ثمة باب اضخم وأنجع من الحوار الذي لا يمثل فقط باباً واحداً لمواجهة التحديات بل طريقاً شاملاً سليماً كفيلاً بتجاوزها وتحقيق النجاحات التي تصب في خدمة المصالح العليا للوطن والشعب. هل ثمة ما يثير الدهشة والاستغراب من هذا التلاقي أو التحالف بين قوى تفرقهم الايديولوجيات والقناعات والمنطلقات والاهداف..؟.. أوليس من مضحكات الراهن وغرائبه ان يجتمع بقايا ممن افلسوا فكراً وممارسة ضمن مزيج غريب من المتطرفين والانتهازيين ليحيكوا “مشاريعهم” البائسة تحت ذرائع واهية ومزاعم بالية ورؤى ضيقة...! ومنذ متى كان المتحصنون بالتطرف والتشدد المذهبي في وفاق مع بقايا المعتنقين للفكر اليساري..! أم لأنها لعبة المصالح الضيقة.. لعبة المفلسين الباحثين عن ساحات جديدة للعبث ولو كان الأمر لديهم يقتضي عقد تحالفات مشبوهة تجتمع فيها المتناقضات..! لكنها لعبة لا تقنع إلا أصحابها.. ولا تنفع أحداً حتى أصحابها..! فاليمن اليوم بما تواجه من تحديات لم تعد تتحمل الألاعيب وعادات الابتزاز والعبث والتسويف.. والشعب الذي تمسك بالخيار الديمقراطي اختار طريق الحوار بملء ارادته ووفاقه ووفائه للثوابت الوطنية. اليوم الكل يتجه الى فضاء الحوار، باستثناء أولئك المشدودين الى الماضي بكل اخفاقاته ومآزقه. اليوم لم يعد ثمة مجال للتراجع عن المشاركة في هذا الحدث الوطني الكبير والعمل على نجاحه، حيث لا يقل شأناً عن الأحداث الكبرى التي صنعها شعبنا واستعاد بها تاريخه المجيد.. اليوم الجميع امام التحدي ولم يعد ثمة مجال للأفكار الخاوية والشعارات العرجاء والتنظير السفسطائي والتخندق في المتاريس المهترئة فتلك لعبة ليس لها رواج أو قبول عند شعب اليمن الذي ينحاز دائماً للحوار خياراً ووسيلة كلما دعت المصالح العليا الى ذلك. اليوم لامكان للتائهين في مسالك العدم.. المتلاقين عند العدم.. المتصارعين على العدم.. الهاربين من العدم الى العدم..!