من المفارقات أن تحمل الصفات أضدادها وأن تحمل الأسماء عكس معانيها وأفعالها، كأن تسمى الفوضى حراكاً وأن يسمى العنف سلماً وأن يسمى الإرهاب جهاداً، أما أن تحمل هذه الأسماء أضدادها مجتمعة فتلك مسألة تستحق التأمل والمراجعة. فالخداع اللغوي والمجازي يمكن أن ينطلي على السامع بفعل سحر البيان، أما حين ترتبط صفات السلم بمن يمارس العنف والإرهاب والتخريب، وقطع الطريق، والاعتداء على المرافق الرسمية، والاعتداء على رجال الأمن، والتظاهر المسلح، ورفع براميل التشطير وأعلامه ورموزه، والتقطع للمسافرين بالبطاقة والهوية المناطقية، فتلك منظومة من أعمال العنف لا تتصل بالسلم إلا من وجه الخداع والكذب على الرأي العام الخارجي. زد على ذلك تحالف عناصر ما يسمى زوراً بالحراك السلمي مع عناصر القاعدة الإرهابية وتنسيقهما في تنفيذ أعمال العنف والتخريب، ورفع أعلام القاعدة ومشاركة وحضور عناصرها المدججة بالسلاح في مسيرات هي تهديد ووعيد وممارسة للعنف، وليس لها أي وجه علاقة بالسلم، وهي في طريقها تخرب وتكسر وتهدم وتحرق وتعتدي على الأملاك العامة والخاصة وترفع السلاح عالياً والأعلام والشعارات غير القانونية، وتحرض على الكراهية والتمييز المناطقي، وتهدد السلم الاجتماعي، وتتبنى مشاريع مناطقية وفردية صغيرة تحلم بالعودة بالوطن إلى عهود الاستعمار والتشطير وإلى وضع ما قبل الدولة، أحلام تبدأ بالسلطنات وتنتهي بالخلافة الإسلامية التي طبقتها طالبان، وجماعة الشباب المسلم الصومالية، ويدعو إليها تنظيم القاعدة في جزيرة العرب. وتلك الممارسات التي تلصق بها صفة السلم زوراً وبهتاناً لا تكتفي بتوقيف عجلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية، بل تخرب ما هو قائم من بنى أساسية تحققت من عرق الشعب وإمكاناته المحدودة، وبجهود أبنائه المخلصين الذين عملوا بصمت من أجل إنجاز ذلك.. وهي تنمية تمت على حساب بعض المحافظات تقديراً لأولوية المحافظات الجنوبية والشرقية ولغرض سد الفجوة التنموية التي كانت عليها حين قيام دولة الوحدة. ومؤشرات الموازنات العامة الاستثمارية ومشاريع البنى التحتية تدل على توجيه القسم الأعظم من النفقات الاستثمارية والخدمية والتنمية البشرية إلى المحافظات الجنوبية والشرقية إلى حد شعور بقية المحافظات بالغبن، ليتحقق من النمو والنهضة الاقتصادية والتنموية في المحافظات الجنوبية والشرقية ما كان حلماً من الأحلام في يوم من الأيام. وإن كانت قد رافقت تلك التنمية بعض مظاهر الفساد الفردي والجهوي والفئوي فهو فساد ليس للوحدة علاقة به وهو لا يقتصر على أبناء المحافظات الشمالية، بل اشترك الجميع في إنتاجه، وساهم الجميع في العودة إلى قيم ما قبل الدولة، والانكفاء على الذات المحلية. وكان من الطبيعي في ظل الحرية الاقتصادية أن تتكون طبقات اجتماعية وتمايز اقتصادي جديد وأن يكون هناك مستفيدون جدد من وضع ما بعد الوحدة هم أغلبية مقابل أقلية لا تستطيع أن تقبل منطق المعادلة الاقتصادية والاجتماعية الجديدة خارج مصالحها وامتيازاتها الذاتية. وأن تنزع أقلية إلى التذمر وعدم الرضا أمر مفهوم، أما أن يلوذ المستفيدون من الوضع بالصمت أو الفرجة، أو يستمرئون الأفعال المضرة بالمصالح الفردية والفئوية والمحلية والوطنية ومضرة بالاقتصاد الوطني فهي غفلة من سيكونون أول الخاسرين مقابل سراب يحسبه الظمآن ماءً حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً. ومن نافلة القول أن الوحدة والديمقراطية تمثل المصلحة الوطنية العليا كما تمثل مصلحة مباشرة للمواطنين في كل مرافق العمل والإنتاج والإبداع بما توفره من فضاءات حرة ورحبة بامتداد الوطن الكبير، إلا أن هناك استفادة غير شرعية لبعض أبناء المحافظات الجنوبية والشرقية الذين يحصلون على حقوق وامتيازات لاعتبارات مناطقية تتجاوز حقوق المواطنة المتساوية، وهم يستأثرون بمصالح ذاتية باسم المناطق الجنوبية وبمجرد ما ينقطع حليب المصلحة الذاتية يمالئون عناصر الحراك أو يستخدمونهم كفزاعة إما للمزيد من الابتزاز أو لمزيد من الخذلان، فضلاً عن الأغلبية الصامتة من المستفيدين الشرعيين المتفرجين الذين لا يقدرون مخاطر الصمت والثمن الباهظ الذي يمكن أن يدفعه الجميع مقابل مراهقة عناصر حراك التخريب والفوضى والعنف. [email protected]