إن الغلو أو التطرف ليس كما يتصوره البعض على أنه حكر على مجتمعات معينة دون غيرها، فالتطرف ظاهرة عالمية مزروعة في كل المجتمعات والثقافات والأجناس والأديان، ربما النسب تتفاوت بحكم ما تشهده بعض المجتمعات من تنمية علمية وتكنولوجية وانفتاح فكري، وحالة الأمن والاستقرار تؤدي دون الحيلولة إلى بروز ظاهرة التطرف، بينما الأمر يختلف ويزداد الوضع فداحة في أوقات الأزمات والفتن التي تساعد على إيجاد بيئة خصبة لظهور التطرف وانتقاله إلى إرهاب منظم يصعب التغلب عليه والتخلص منه بسهولة. والتطرف يقصد به الخروج عن السلوكيات والمفاهيم المألوفة وعدم الالتزام بالقانون والدستور السائد، ويتجاوز الفرد الحد المعقول ويرتبط بآراء ومعتقدات بعيدة عن المتعارف عليها ويتمادى في إصدار الأحكام واتخاذ المواقف ويصبح إيماناً راسخاً يتشبث به، بالمقابل يلغي إنسانيته ويرفض المرونة والسماحة والقبول بالآخر، وأصحاب الأفكار المتطرفة لا يؤمنون بالحوار والجدال بسبب نظرتهم الأحادية وجنوحهم إلى العناد، إذ يرون الحياة بوجه واحد ويستبيحون دماء من يعارضهم ويثيرون الفتن، وفي سبيل ذلك يستنزفون قدراتهم العقلية والفكرية والإبداعية ويسلكون سلوكاً يخرج عن ضبط النفس، حيث يتسم المتطرف بالعدوانية والانفعال الحاد ومشاعر الكراهية المطلقة والفظاظة والتبعية العمياء لجماعته. لفرض أفكاره وتصوراته وكل ما يؤمن به من مفاهيم وآراء، يلجأ المتطرف إلى استخدام القوة والأساليب العنيفة ويتحوّل من فكر معادٍ إلى فعل يُمارس على أرض الواقع ويدخل في مرحلة عمل منظم تقوده جماعات مسلحة تعتدي على الآخرين وتواجهه المجتمع والدولة، ولا يغيب عن المتطرفين التركيز على نقاط الاختلاف والعمل على تضخيمها وتهويلها لجذب المتحمسين إلى صفوفهم. يتخذ التطرف أشكالاً عدة كما ذكرت سابقاً: هناك التطرف الاجتماعي والسياسي والفكري والتطرف الاقتصادي الذي يكمن في التعامل المادي البحت بعيداً عن الاعتبارات الإنسانية، أما أخطر ظواهر التطرف وأشهرها هي ثقافة التطرف الديني الناتجة عن سوء فهم النصوص الدينية والتزمّت وعدم رؤية الأمور بعقلانية وفهمها من منظور أحادي متشدد وصارم، وكون الدين مرتبطاً مباشرة بالحياة يصبح التطرف منهاج حياة بعد أن يصبغ بصبغة ربانية . إن كسر شوكة التطرف ونبذه من المجتمع لن يتم إلا بفكر وثقافة بديلة تواجه الفكر المتطرف وتدعو إلى التسامح والاعتدال، وسيلعب الفكر المتسامح والوسطي المستنير البديل دوراً في تصحيح ما يشاع من أفكار مغلوطة، وهناك جهات لديها القدرة الحقيقية على التغيير والتأثير وستسهم في إشاعة وبرمجة الإنسان على الثقافة البديلة، منها النخب المثقفة والمستنيرة في المجتمع، والتربويون، مع وسائل الإعلام ومنظمات المجتمع المدني. [email protected]