ليس الجدل المثار حول الإسلام في الغرب بجديد فقد كتب وقيل الكثير عن الإسلام وصلته بالإرهاب ، بيد أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر قد دفعت بقضية التطرف وعلاقته بالإسلام إلى مقدمة أوليات الساسة والمفكرين والباحثين والكتاب فتعددت الآراء والكتابات والمقالات والدراسات والندوات وعقدت المؤتمرات, غير أن هذا التناول والاهتمام _ قبل وبعد أحداث 11 سبتمبر _ وتعدد الدراسات والتحليلات قد ظهرت في أغلبها بعيدة عن ملامسة الحقيقة ، لافتقارها إلى الموضوعية العلمية والمنهجية بسبب طابع الانفعال والتشنج , ربما لغياب الفهم الصحيح لروح الدين الحنيف , ولكن هذا لا ينفي وجود تنا ولات منصفة خاصة بالغرب ولا ينفي أيضاً وجود إشكالية في نمو فكر التطرف و فهم الدين الصحيح والتي تقوم على أساسها الفصل بين الدين الحنيف وبين مفردة التطرف أو الإرهاب باسم الدين. هذه القضية ( قضية التطرف والإرهاب ) والتي أضحت قضية القضايا المعاصرة ومشكلة المشاكل المقلقة لدول العالم الغربي، وفي مقدمة كل ذلك الولاياتالمتحدةالأمريكية، كيف نظر إليها المشروع الوطني للإصلاح الشامل في اليمن والمعلن عن حزب رابطة أبناء اليمن "رأي"؟ لقد أنطلق واضعو المشروع في تحليل قضية التطرف الديني إلى إن ما يوصف بالتطرف الديني ، أو الإرهاب وعلاقتهما بالدين من كونهما ظاهرتين ليس للدين بهما صلة، بقدر ما ولدتهما عوامل ومناخات لها أبعادها وأسبابها المتداخلة والمترابطة ومحاولة فهمها وحلها لا يتأتى ضمن أطروحة مجتزئة وأحادية الجانب , بل من خلال البحث الشامل والعميق لجذور الإشكالية وعناصرها المترابطة والمتشابكة في عوامل النمو والنشأة، ومروراً بالنتائج المترتبة وصولاً إلى طرح المعالجات الناجعة هذه منطلقات تلحظها من خلال القراءة للمشروع الإصلاحي الشامل، وفي جزئية التطرف الديني، وتحديداً في مقدمة المشروع، وفي الفصل الرابع من المشروع –خلاصات قضية التطرف– كما نلحظ إن الحزب قد تناول الظاهرة باهتمام وبنظرة تحليلية ثاقبة وموجزة وشاملة ، حين وقف أمام الظاهرة باعتبارها إشكالية فتتناول الأسباب والآثار والمعالجات . الأسباب : من الناحية الفكرية والثقافية يرى واضعو المشروع إن التطرف باسم الدين الإسلامي يتولد وينمو بسبب (قراءة مبتسرة وفهم مغلوط لحقائق الدين وأحكامه والأخذ بالتشدد والغلو، في حين أن المفاهيم الصحيحة لأصول الدين قائمة، أساساً على المحبة والتراحم والسماحة والاعتدال وصيانة الكليات الخمس). ومن وجهة نظر المشروع تجاه هذه القضية إن العامل الرئيس لنشوء ظاهرة التطرف ينجم عنه ظهور عامل رئيسي آخر هو نشوء ونمو تطرف ضد الدين مما يدفع البعض بأن يواجه بتطرف باسم الدين والدين منه براء. وهذا المسلك المضاد يظهر جلياً من خلال قراءة أزمة الكنيسة في القرون الوسطى، وعهود التخلف حين وقف التطرف الديني حائلاً ضد العلم والعلماء معتمداً على أقاويل تخدم القائمين على الكنيسة التي احتكرت كل حركة الحياة بكل تخصصاتها، واتجاهاتها الأمر الذي أدى إلى نشوء تطرف مضاد, أدى في النهاية إلى الثورة على الكنيسة من جهة، وعلى النظام السياسي الذي كان يدعمها من جهة ثانية.. ثم تلتها قيام نهضة علمية ومادية، وهذه القراءة في تجربة الكنيسة في القرون الوسطى والتي قادت إلى مجمل الفكر المادي (الرأسمالي والشوعي) كلاهما ناصبا الدين العداء ، انطلاقاً من تجربة القرون الوسطى، مع أن الإشكالية ليست في الدين بل بالكنيسة ورجالها ومفاهيمها الخاطئة واستئثارها بالقرار . أما من الناحية السياسية فالتاريخ القريب والمعاصر وما حفل به من أحداث ووقائع يحدثنا إن ظاهرة التطرف الديني وفي أحد جوانبها التكوينية ما هي إلا نتائج لإفرازات وصراعات سياسية. فحين تقتضي مصالح الساسة والحكام إلى إعمال عنصر الدين في السياسة _وفقا لفلسفة تطويع الدين لخدمة السياسة _ يصبح الزج بالدين ظلماً وعلى غير مفاهيمه الحقيقية إلى دوائر الصراع السياسي ضرورة ووفقاً للعامل السياسي، وبنصوص منتقاة وبرجال وجماعات تسخر لهم كافة الإمكانيات والوسائل لتتحرك وتنشط في اتجاه الإستقواء وحسم الصراعات لطرف سياسي معين، أو الإنتصار لجانب فكري أو أيديولوجي أو لمذهب على آخر وطائفة على أخرى . ومع فاعلية الحركة وإشاعة فكرة التطرف واتساع مساحته ومكوناته تتحول مفاهيم واتجاهات الجماعات – باسم الدين – إلى مبادئ عقائدية في صدور وعقول أتباعها وبتقدم المراحل واتساع دوائر الصراع يحصل لفكر التطرف حالات تكاثر وانقسام فتظهر لنا الجماعات فيما بعد وهي على مسرح متعدد الألوان تعادي كل فكر وترفض كل جديد وتستعدي كل من يعارضها ولأن اللعبة السياسية لا تعترف بمبدأ الثبات يصبح منطق ما كان وجوده يشكل وسيلة وضرورة في خدمة المصالح والأهواء السياسية – بغض النظر عن نوعيتها – هو اليوم يشكل النقيض من ذلك. حينها تبرز اتجاهات جديدة تنجم في المقابل عن تحولات سياسية ودينية مضادة ومتصارعة تكون نتائجها مزيداً من توسيع دوائر الصراع وبأساليب قد يتخللها القمع أو التحجيم أو التهميش أو إحياء جماعات أو فرق دينية تتباين مع بعضها وربما تتصادم . في مشروع حزب (رأي) يرى إن التطرف المضاد هو ناجم عن فلسفة سياسية، وهي قراءة للواقع اليمني وللأخطاء السياسية التي ارتكبت بحق الدين ورجاله خصوصاً في فترة الحرب الباردة وهو حين يتناول ظاهرة التطرف وتحليلها لا يختزل هذا التناول بناءً على الواقع المحلي اليمني وما حفل به من مناخات نما في ظلها فكر التطرف فساعد على غياب الوعي الديني المستلهم لروح الاعتدال والسماحة في الاسلام , بل يتناول الظاهرة كقضية تجاوزت محيطها المحلي إلى المحيط الدولي والإقليمي وهو ما سوف يظهر عند الإشارة إلى طرح المعالجة من وجهة نظر المشروع الرابطي . الآثار : لقد ترتب عن ثقافة التطرف والإرهاب تشويه وإساءة للإسلام والمسلمين وللآخرين، فحين تطور فكر التطرف ترجم معتقداته الضالة بأعمال تخريبية، تمثلت معظمها بأعمال هدم، وذبح وقتل واختطاف ... الخ وباسم الدين تحول أفراده (رجالاً ونساء) إلى قنابل بشرية، وفسروا أحكامه ومفاهيمه، وتوجهاته إلى معاني ودلالات تخدم الأهواء والنزعات والأفعال، فقل الوعي الديني وغيب فقهاء الدين، وحظيت الدعوات المرجفة والضالة - عند بعض العامة والشباب - بالقبول والترويج، وعمتها بواعث وعوامل سياسية كثيرة محلية وخارجية ، كغياب الحريات وعدم توسيع دوائر المشاركة ونمطية التعليم والثقافة السائدة والعنف المضاد ضد الدين كل ذلك قد أدى إلى نتائج سلبية وعكسية في نفس الوقت ، اتسعت معها دوائر الصراع وظهرت جماعات التطرف والإرهاب وكأنها تصد هجمة على الدين وليس على من قام باستغلاله وتشويهه، وقلة الجرأة على معارضتها نتيجة لضعف الوعي الديني، وتجنباً للإرهاب الفكري. كل ذلك قد جعل الإسلام يواجه تحديات كثيرة ومتشعبة ، كظهور الإسلام للآخرين وكأنه دين حرب لا سلام وعداء لا تعايش وانغلاق لا انفتاح وتنوع ، ومعيق للتطور لا داعم لاستمراره ونموه, كما أثرت نتائج ومخلفات فكر التطرف وثقافة الإرهاب على أمن واستقرار المجتمعات واقتصاديات الدول والأفراد والمؤسسات النقدية والاقتصادية. المعالجات : بقليل من الاستقراء في سطور المشروع الرابطي نلحظ وهو يتناول قضية التطرف إن المعالجات قد تنوعت لتنوع الأسباب وهو ما يجعل هذه الرؤية إلى الآن غير مسبوقة أقله على الساحة اليمنية ، حيث ينطلق في المعالجات من منطلق وجود إشكالية أو اختلال فكري وثقافي في فهم الدين، وبهذا الصدد يدعو المشروع إلى أهمية الفصل بين التطرف والإسلام، حيث (ينزع عامل الدين من أيدي من يستغلونه، استغلالاً ليس للدين صلة به ويتقوون به لتحقيق أهدافهم على فعلهم، وهم لا يدركون حقيقة الإسلام ) ويستطرد إن أي دعوة باسم الدين وأن ظلت قد تجد رواجاً وحماساً في ظل أوضاع قد تبدو سيئة وتزرع شعوراً بالظلم والإحباط, ولصد هذا وبعيداً عن الإجراءات الوقائية المتبعة حالياً، يرى واضعو المشروع إنه لابد من توافر جهود تفصل بين الدعوات الضالة وحقيقة الدين ويسهم في معالجة الأوضاع السيئة وعوامل الإحباط.. ولكن كيف ؟ عملياً تنص مفردات المشروع إن مبدأ الفصل بين الدين والتطرف تتطلب أولاً اصطفاف واسع من المعتنقين لهذا الدين ، تعمل على الفصل والإيضاح والتبيين بين روح الدين الحنيف والأعمال الإرهابية ويصاحب هذا دعوة العالم الغربي إلى أن يساهم مفكريه وإعلامه في استيعاب هذا الأمر وتفهمه وتبينه للرأي العام والتعامل مع المسلمين وفقاً لذلك الأسلوب الصحيح، ولتحقيق مثل هذا النهج يتحقق من وجهة نظر الحزب في التصالح التاريخي بين المسلمين والحضارات المعاصرة لتحقيق مبدأ التكامل وتبادل المنافع والأمن والأمان هذا حين يتحقق مبدأ نبذ التطرف وشيوع الاعتدال الحقيقي , وتظهر حقيقة إن كل من ينتهج التطرف والإرهاب هو بمنزلة الخارج عن صحيح الدين. الدين والحياة: بعد هذا الفصل بين ثقافة التطرف والإرهاب وبين مضامين الدين الحنيف تأتي أولويات واهتمامات جديدة تتحدد بتوجهات يتم على أساسها إيضاح وتحليل ومناقشة جانبين مهمين يشكلان جدلاً في الكتابات والتحليلات التي تتناول الإسلام باعتباره إما متطرفا ويدعو إلى العنف أو بكونه عائقاً للتقدم والنهوض الحضاري فيتناولها المشروع من منطلق إن مواجهة فكر التطرف، بعنف مضاد ضد الدين سيؤدي إلى نتائج عكسية، كما إن استبعاد الدين عن الحياة لا يبني تنمية مستدامة لأنه قد يحقق تقدماً مادياً وتقنياً واقتصادياً كالاتحاد السوفيتي كما أنه يفسح المجال للانحلال، والتفكك الأسري، إضافة إن معظم الحضارات التي قامت لم تبتعد عن الدين، فالتقنية والتطور الأوروبي في عصرنا الحاضر... الدين من وجهة نظرهم يشكل الدافع القيمي والروحي والمعنوي للتماسك والتفوق. ويخلص المشروع وهو يتناول قضية التطرف في هذه الجزئية إلى أنه بقدر الارتباط بالدين وقيمه وأحكامه تنجح الحضارات ويطول عمرها وبقدر الابتعاد عن الدين ومحاربته يقصر عمر الحضارات وإن حققت تقدماً علمياً ومادياً. هذه الخلاصة النظرية أردفها (المشروع) بالدلائل التاريخية لمجمل الحضارات التي قامت, وشكل الدين حضوراً روحياً ومادياً فيها ... التناول هنا قد يوصف بالمنطق والاتزان, لأنه يلامس جوهر الأشياء ويشخص معظم الظواهر ويقدم الإسلام بصورته الصحيحة ولا يستبعد حضوره في الحياة السياسية لكونه عنصر مهم وهام في إدارة عجلة النمو الازدهار , فالإسلام في جوهره ومنذ بدايته الأولى لم يكن مجرد ثورة دينية تنبذ الأوثان والأصنام وتدعو إلى الوحدانية بل كان ثورة اجتماعية وسياسية واقتصادية وثقافية وفكرية تميز بالشمول وقابل لإعماله في كل زمان ومكان , ومفردات هذا العصر لا تتناقض وجوهر الدين الحنيف إلا فيما ينتقص من إنسانية الإنسان وكرامته، وحقوقه وعقله، وأمنه، لكن الإشكالية القائمة تكمن في المسلمين لا في الإسلام، وأشير هنا إلى أن بعض الدراسات قد ذهبت إلى أن الإسلام يحتوي على مبادئ تؤدي إلى الفاشية، وهي دراسات غير صحيحة ذلك إن المبادئ التي يفتخر الغرب بإنجازها وهي مبادئ احترام حقوق الإنسان هي في جوهر الدين الحنيف من الثوابت، إضافة إلى أن هناك دراسات أخرى مغايرة تشير إلى أن الإسلام لا يعيق التطور والنهوض الحضاري كما تشير أيضاً إلى نجاح تجارب ديمقراطية في العالم الإسلامي كتركيا، وماليزيا، وبنجلادش .. الخ، لإن الديمقراطية هي شكل أو أسلوب من أساليب الحكم وليست عقيدة أو ديانة تناقض الدين. أذن مبدأ التصالح مع الحضارات الذي يدعو إليه المشروع سيوفر الظروف الملائمة للتعايش وبالتالي تتحقق عوامل الأمن والاستقرار والتنمية. بخلاصة إلى إن المعالجة هنا قد شخصت الإشكالية وحددت الكيفية والأولويات المطلوبة والطرق والأساليب المختلفة التي تبدأ من المجتمع المحلي والإسلامي ثم الدولي ووفقاً لبرامج وخطط مدروسة وممنهجة تعالج كل شذوذ وتقلص من عوامل فكر التطرف ومهيجاته ومخصباته وجذوره ومنابعه وسواقيه. أذن المعالجات على الصعيد الفكري هنا قد تجاوزت حدودها المكانية لأنها الظاهرة "معولمة " وتندرج تحت ما يسمى بأستراتيجية محاربة الإرهاب في عالم اليوم , وبالتالي جاءت الحلول المقترحة محيطة بحجم الإشكالية، وفي اعتقادي إن هذه المعالجات تتوافق مع الدعوة إلى بناء رؤية ثقافية صارمة وقادرة على النقد والتقويم والمراجعة والمقارنة والمقاربة لتعيد تشكيل الذهنية الجمعية وتعيد الاعتبار للقيم الدينية السمحة والمعايير التي تحدد الصائب من المنكر، بل ومن خلال قراءة فقه الواقع بكل مكوناته وعلاقاته وتفاعلاته وعلى مستوى الذات والآخر. واستدرك أخير في المعالجات التي تستقرى من مشروع حزب رأي للإصلاح الشامل الخاصة بتحليل ظاهرة التطرف والإرهاب وبعدها المجتمعي والسياسي، هو إنه إذا كانت هنالك عوامل مثل غياب الحريات والمشاركة السياسية والبطالة وتدني مستوى الخدمات والتفرقة في تولي الوظائف العامة والفساد وعدم قدرة الشباب على تحقيق تطلعاتهم وأمالهم وهذا ما يكاد يجمع عليه كثير من الكتاب بكونها عوامل تشكل الجذور الحقيقية للإرهاب، ويتطابق هذا مع تحليل المشروع للظاهرة ... فإن مشروع رأي قد أكد أن البداية الحقيقية للإصلاح الشامل تبدأ من بوابة الإصلاح السياسي . وفي واقع كواقعنا المثقل بالمآسي والأخطاء والارتجال اعتقد بأن الاتجاه لهذه المعالجات أصبح ضرورة شرعية إن لم يكن واجب ديني ووطني. الرؤية بحق غير مسبوق في استيعابها للظاهرة وتحليلها ومعالجتها, لكنها في نفس الوقت ليست بالجديد على الحزب، الذي ينتهج الوسطية والاعتدال في فكره الإسلامي منذ النشأة , وهو فكر يشكل امتداداً لمدرسة تريم في حضرموت.