سنقدم شيئاً من التحليل لظواهر التطرف بغرض إيضاح أهمية الفصل بين التطرف والإسلام فننتزع عامل الدين من أيدي من يستغلونه استغلالاً ليس للدين صلة به فيتقوّون به لتحقيق أهدافهم المدمرة ويسيئون إلى غيرهم من المسلمين الذين إما لا يقرونهم على فعلهم أو لا يدركون حقيقة الإسلام فينجرف بعضهم معهم. وعلينا أن ندرك أن أية دعوة باسم أي دين وإن ضلت قد تجد رواجاً وحماساً في ظل أوضاع قد تبدو سيئة أو استثنائية فتزرع شعوراً بظلم وإحباط ما لم تواجه بجهد يفصل بين هذه الدعوة الضالة وحقيقة الدين ويسهم في معالجة الأوضاع السيئة وعوامل الإحباط ولن تجدي أية معالجات أمنية أو فكرية أخرى مضادة أو إعلامية لا تقوم على فهم واستلهام عميق لصحيح الدين.. بل إن المواجهة لهذه الدعوة الضالة والتخريبية بمضادة الدين الذي تتلبس به سيؤدي إلى نتائج عكسية وإلى إعطاء هذه الدعوة الأداة التي تستقطبه هذه الدعوة الضالة المخربة المرجفة قد لا يجرؤ على معارضتها لأنها تظهر للبعض وكأنها تصد هجمة على الدين نفسه وليس على من استغل الدين وشوه تعاليمه، وهذه في نظرنا نقطة غاية في الأهمية ولم يتصد لها أحد، بعمق وتفصيل إلا أحياناً نادرة، وهذه القضية تستلزم فهماً ووعياً عميقين لها وفهماً للدين الذي يعاني أهله والآخرون من التطرف والإرجاف باسمه وإلى عدم الخلط بين الإسلام كدين عظيم وبين من يقوم بأعمال كهذه باسم الإسلام »أحداث 11 من سبتمبر« وأن مهمة التبيين والفصل بين الإسلام وتلك الأعمال الإرهابية التي ترتكب باسمه ولا يقرها صحيح الدين الإسلامي هي مسؤولية المسلمين بدرجة أولى ونضيف بأنه من الإنصاف أن يساهم العالم الغربي بمفكريه وإعلامييه في استيعاب هذا الأمر وتنبيهه للرأي العام والتعامل مع المسلمين وفقاً لذلك وهو ما بدأت مؤشراته تظهر مؤخراً. إن التطرف في أي مفاهيم أو اتجاه أو مسلك لا بد أن يؤدي إلى نشوء تطرف في مفاهيم أو اتجاه أو مسلك مضاد. إن التطرف الديني في أوروبا في القرون الوسطى وعهود التخلف وقف حائلاً ضد العلم والعلماء معتمداً على أقاويل تخدم القائمين على الكنيسة التي احتكرت كل حركة الحياة بكل تخصصاتها واتجاهاتها وبالتالي كان لا بد من نشوء ونمو تطرف مضاد ضد الدين أدى إلى الثورة على الكنيسة والنظام السياسي الذي كان يدعمها من جهة وكانت تسيطر عليه وتحركه من جهة أخرى ونتج عن ذلك نهضة علمية مادية وتولد عنه مجمل الفكر المادي الذي في النهاية انقسم إلى فكر علماني يعني لا ديني وفكر مادي شيوعي.. وكلاهما ناصب الدين العداء.. أحدهما ما زال قائماً والآخر انهار وسقط. في نفس تلك المرحلة القرون الوسطى وعهود التخلف في أوروبا كان العالم الإسلامي يعيش نهضة وازدهاراً حضارياً وعلمياً وقيمياً وكان علماء ذلك الازدهار الحضاري والعلمي والقيمي أكثرهم من المثقفين في الدين الإسلامي. من ذلك يتضح أن توجه الكنيسة في تلك الحقبة ومفاهيمها الخاطئة واستئثارها بالقرار واستخدامها مكانتها الدينية كان العائق ولم يكن الدين بذاته عائقاً والدليل أن النتائج النهائية في القرنين الآخرين أن أنظمة التوجه الرأسمالي القائمة على آليات ديمقراطية وحرية وحقوق إنسان حققت نجاحات واستمراراً حتى الآن مادياً وتقنياً واقتصادياً.. ورافق ذلك تحللاً قيمياً وتفككاً أسرياً.. واحتراماً شكلياً للدين والكنيسة.. وقامت في أوروبا حروب مذهبية دينية وحشية طاحنة. بينما نجد التوجه الشيوعي القائم على هياكل فكر الديمقراطية المركزية وعلى ديكتاتورية الطبقة العاملة ورفض كامل بل وحرب على الدين قد فشل وانهار في فترة قصيرة جداً رغم تحقيقه لنجاحات علمية وتقنية في مجال التسلح والصناعات الثقيلة وغزو الفضاء. لذلك فإن التاريخ يعلمنا: أنه بقدر الارتباط بالدين وقيمه وأحكامه تنجح الحضارات ويطول عمرها »الحضارة الرأسمالية أمريكا وأوروبا الغربية، الحضارة الإسلامية الرومانية... الخ« فجميع تلك الحضارات كان لها ارتباط بالديانات بطريقة أو أخرى. وبقدر الابتعاد عن الدين ومحاربته يقصر عمر الحضارات. وبقدر سماحة واعتدال المفاهيم والأحكام الصحيحة للدين واستيعابها للعلوم التجريبية والكونية وللفكر الإنساني والقيم الأخلاقية فإن عمر الحضارة يكون الأطول وتفوقها وانتشارها واستيعابها للآخر وتفاعلها مع الحضارات السابقة يكون أسرع وأعمق وقدرتها على التجدد أكبر . إن التطرف باسم الدين الإسلامي يتولد وينمو لأحد سببين رئيسيين: قراءة مبتسرة وفهم مغلوط لحقائق الدين وأحكامه والأخذ بالتشدد والغلو في حين أن المفاهيم الصحيحة لأصول الدين قائمة أساساً على المحبة والتراحم والسماحة والاعتدال وصيانة الكليات الدين والنفس والعرض والمال والعقل إلا بحقه وتقدير وتشجيع العلم والعلماء في كل مجالات المعرفة. نشوء ونمو تطرف ضد الدين مما يدفع البعض بأن يوجهه بتطرف باسم الدين والدين منه براء. أما التطرف ضد الدين فايضاً ينشأ عن أحد سببين رئيسيين: نمو تطرف باسم الدين يتبنى مفاهيم لا علاقة فعلية لها بأي دين.. فيحجر على العقل ويقف حائلاً ضد العلم والتطور. قراءة خاطئة واستنساخ لتوجهات ومفاهيم نشأت في مجتمعات أخرى كانت رد فعل إما لتطرف باسم الدين أو لمظالم اجتماعية »التطرف العلماني اللاديني الشيوعية«. نقلاً عن صحيفة تعز