الأساس في علاقة الإنسان بالوسط المحيط يتلخص في مباشرة الحواس التي منحه الله إياها في التعرف والتذوق واستقراء المرئيات والمسموعات وما يتم تعاطيه من مواد تؤكل وأخرى تستنشق وثالثة تبهج القلب من خلال النظر إليها أو الاستمتاع برائحتها الزكية أو الانتفاع بخصائصها المفيدة. هذه الخاصية المركزية في علاقة الإنسان بما يحيط به منحته نوعاً من المركزية في علاقته بالطبيعة مما حدا به إلى التكبر والتجبر والاعتقاد أنه سيد الأكوان، وأنه قادر على فعل ما يريد وفي الوقت الذي يريد دونما اعتبار للنواميس والحكمة الإلهية التي تقتضي توازناً في التعاطي مع الطبيعة. العلاقة بالطبيعة بواسطة الحواس الخمس تنفتح على ما يسميه علماء السيكولوجيا والباراسيكولوجيا بالحاسة السادسة، وهي في الحقيقة ليست حاسة واحدة بل مجموعة من الحواس التي تخرج من سياق المألوفات في الحواس الخمس فيما تشير إلى أبعاد غاية في الغرابة والعمق. فالمنامات تؤدي إلى الرؤى العجيبة، ولحظات الخطر تمنح الإنسان قدرة على التصرف الانعكاسي المنطقي في أقل من ثانية واحدة، والشعور المفاجئ بالخوف يرتقي إلى مستوى الحدث الجلل الذي قد يجابهه الفرد، والاستماع عن بُعد يحدث في حالات نادرة ولأسباب يصعب تفسيرها. إن جملة هذه الظواهر المُجيّرة على ما يسمى ب«الحاسة السادسة» تجعلنا نعترف بأن مرئيات ومسموعات وإحساسات وتذوقات الإنسان تتجاوز كثيراً ما نعرفه يومياً وبصورة متواترة. هذا يرجعنا إلى قراءة حالة واحدة صنعها الإنسان بدلاً لحاسة من حواسه وهي حاسة البصر، أقصد الكاميرا التي جاءت تقليداً للعين الآدمية؛ لكنها بالتواتر تحولت إلى وسيط فيزيائي بين الإنسان ومرئياته المختلفة وبصورة تنذر بالتغول والاستشراء.