البحث العلمي أساس نهضة الدول الحديثة، لأن كل مشروعات التنمية القائمة على البحث العلمي، كانت ولاتزال ناجحة وثابتة ومفيدة في حل مشكلات المجتمع. واليمن بحاجة ماسة إلى حلول لمشكلاتها قائمة على البحث العلمي، لكن البحث العلمي لايزال غامضا في قائمة أولويات خطط الدولة، كما إن المؤسسات الاستثمارية-في اليمن- لاتزال غير مدركة لجدوى البحث العلمي في زيادة رأس مالها، لذلك فهي غائبة عن استثمار القدرات البحثية، فضلاً عن أن ثقافة البحث التعاوني أو البحث الفريقي لا تزال غائبة في أذهان الباحثين اليمنيين لكثير من الأسباب ليس المجال واسعاً لذكرها في هذا المقام. وكما يعلم المتخصصون فإن البحوث العلمية التي تخدم التنمية، وتقوم عليها المجتمعات المتقدمة تتطلب إمكانات بشرية ومادية لا يستطيع تحملها باحث بمفرده كيفما كانت قدراته البحثية.. البحث العلمي وظيفة أساسية من وظائف الجامعة في أي مكان في العالم، ومنها اليمن، فالجامعة لها وظائف ثلاث؛ هي التدريس، والبحث العلمي، وخدمة المجتمع، وعلى الرغم من أن البحث العلمي وظيفة قائمة بمسماها، إلا أن البحث العلمي بوصفه عملية تشخيصية وعلاجية وتنبؤية يدخل في الوظيفتين الأخريين للجامعة، ولا يمكن أن تنجح الجامعة في الوظيفة التدريسية إلا إذا بني التدريس على نتائج البحث العلمي، وكذلك من أهم أوجه تنفيذ وظيفة الجامعة في خدمة المجتمع إجراء البحوث العلمية لحل المشكلات الاجتماعية، وبناء التنمية الحقيقية المستدامة، مما يعني باختصار أن البحث العلمي عملية سابقة ومصاحبة ولاحقة لكل خطوات التنمية، وأينما ينفذ العمل بعيداً عن البحث العلمي فسيظل بعيدا عن مفهوم التنمية الحقيقية. ومع إدراك المتخصصين لأهمية البحث العلمي ودوره في التنمية، إلا أن واقع البحث العلمي في الجامعات اليمنية لايزال بحاجة إلى جهود عظيمة مادياً وبشرياً لتفعيله، وتوجيهه لخدمة التنمية، ولا شك أن هناك قدرات بحثية لا يمكن إنكارها في الجامعات اليمنية، لكن جهود تلك القدرات يتم توجيهها فردياً، بسبب الظروف المحيطة بأعضاء هيئة التدريس، التي تجعل معظم الأعضاء يعملون بصورة فردية، ويوجهون بحوثهم نحو الحصول على ترقية علمية بالدرجة الأولى ، كدرجة أستاذ مشارك أو أستاذ، ويتسابق أعضاء هيئة التدريس في هذا المضمار، ويسهم في بقاء الفردية، والتقوقع على النفس والانفصال عن الأعمال البحثية الجماعية، قلة الإمكانات، وربط الترقيات بعدد من البحوث الفردية، وانحصار الترقية على إجراء البحوث، مع أن عضو هيئة التدريس مطلوب منه أن يشارك في تحقيق كل وظائف الجامعة الثلاث، لكن ترقيته تتم بعيداً عن جهوده التدريسية، ومشاركاته المجتمعية. شيء جميل أن يكون البحث العلمي شرطا للترقية، لكن الأجمل منه أن تستفيد الجامعات اليمنية من تجارب الجامعات المتقدمة في العالم من حيث معايير الترقيات العلمية؛ فبعض الجامعات تضع للترقيات نقاطاً مختلفة، تشمل كل نشاط يقوم به عضو هيئة التدريس، ويقع ضمن تلك النقاط تقديم بحوث علمية، لكنها ليست الوحيدة؛ إذ من تلك النقاط الإشراف على الرسائل العلمية، والخبرات التدريسية للعضو، والخبرات الإدارية ، والالتزام بالقيم الجامعية، والمشاركات الاجتماعية، والتواصل مع قضايا الوطن، وامتلاك المهارات التواصلية الحديثة كإتقان لغات أجنبية، واستخدام الحاسوب، وحضور المؤتمرات العلمية، وإقامة الورش العلمية، وغير ذلك.. ويعني ذلك أن كل ما يمارسه عضو هيئة التدريس في تلك الجامعات يدخل في معايير ترقيته، لذلك يتسابق أعضاء هيئة التدريس في تلك الجامعات للتميز في كل أعمالهم حتى يكسبوا نقاطاً أكثر وفي وقت أسرع، فيصل كثير من أعضاء هيئة التدريس في الجامعات العالمية إلى درجة الأستاذية، وهم مازالوا في عمر الشباب، وينطلقون في بحوثهم نحو العالمية وهم في أوج نشاطهم الجسمي والعقلي والنفسي، ويصبح البحث العلمي الجماعي لديهم بعد الترقيات العلمية متعة وإبداعاً ورغبة في حل مشكلات الإنسان في كل أنحاء العالم.. أما أعضاء هيئة التدريس في جامعات الوطن العربي ، ومنها الجامعات اليمنية، فمنهم من عاش وأفنى عمره في التدريس وخدمة المجتمع، فمات وهو لم يحصل على ترقية علمية واحدة، ومنهم من لا يزال يتصارع مع أدواره المختلفة الخانقة ليجد متسعاً من الوقت يمكنه من إنجاز بحث يضم إلى رصيد بحوث ترقيته، فلا يتمكن من ذلك إلا بعد أن يصير قريباً من سن التقاعد، ومنهم من يسعى بكل السبل للتهرب من واجباته الجامعية الأخرى أو يكلفت بقية الوظائف الجامعية المنوطة به في سبيل أن يتفرغ لإنجاز المطلوب من البحوث للترقية للخروج من وصمة الوصف بالجمود العلمي التي تسببت في بقاء زملائه في درجاتهم لسنوات عديدة دون ترقيات علمية.. إن الجامعات العربية، واليمنية -على وجه التحديد- بحاجة إلى إعادة نظر في لائحة الترقيات العلمية من حيث الشروط ، والفترات الزمنية الفاصلة بين الترقيات، ونتمنى أن تفرض اللائحة البحث التعاوني أو الفريقي على أعضاء هيئة التدريس فرضاً، حتى يتعلم الباحثون لغة الشراكة العلمية، وحتى تكون البحوث المقدمة أكثر عمقاً وجودة، لأن اجتماع أكثر من عقل في تنفيذ البحث العلمي يعني تنوعاً في القدرات المنفذة للبحث، وثراء في الأفكار المطروحة، واتساعاً في التطبيق الميداني، كما نتمنى أن تتضمن اللائحة كل وظائف الجامعة بصورة مهام تفصيلية دقيقة بحيث يجعلها عضو هيئة التدريس معياراً لكل أعماله الجامعية.. (*) كلية التربية - جامعة صنعاء [email protected]