المدّعي العام في محكمة الجنايات الدولية أظهر منذ توليه منصبه أنه يسعى لجذب إعجاب الصهيونية وحلفائها بتوجيه الاتهامات المباشرة للرئيس السوداني قبل أن يجمع كامل الاستدلالات التي تجعله نزيهاً أمام رئيس وأعضاء المحكمة في البداية ما دفع بكل قوام المحكمة إلى اعتبار ما قدمه لها ضد الرئيس البشير ناقصاً ولا يكفي لإصدار الحكم باعتقاله وإيصاله إليها للرد على الاتهامات له بارتكاب جرائم حرب في دارفور.. وقد صدق الذين قالوا بأن أوكامبو بإثارته الموضوع من جديد بحجة أنه قد حصل على قرائن جديدة من شأنها الإسراع في إصدار قرار ملزم للرئيس البشير بتسليم نفسه وللدول الأخرى مجتمعة بالتعاون في تنفيذ القرار إنما يحرض المتمردين في دارفور على مغادرة الدوحة ورفض الوساطة القطرية التي كانت قد قطعت شوطاً كبيراً في التقريب بين الحكومة وزعماء تلك الفصائل الانفصالية وعلى رأسها «العدل والمواساة». فقد سبق ذلك تقرير لمنظمات إنسانية وأممية ردّ المسؤولية في وفاة أعداد من أبناء دارفور إلى الأمراض المتفشية والتي أسهمت العناصر التخريبية في دارفور إلى حدوثها ومعها المجاعة الشديدة لعرقلتها وصول الإمدادات الغذائية والدوائية من الحكومة ومن المنظمات الإنسانية التي اخترقتها جماعات غير معنية بالعمل الإنساني البحت وعملت على تأجيج الحرب الأهلية بعناوين غير حقيقية؛ الأمر الذي وجدت الحكومة السودانية نفسها أمام خيار واحد هو طرد تلك المنظمات الصورية، وتجديد التصريح لعمل المنظمات الإنسانية المحايدة، ولم تكن الوفيات التي يصر أوكامبو على إلصاقها بميليشيات الجنجويد والجيش والشرطة السودانية. ويبدو أن المحكمة الجزائية الدولية قد استجابت لرغبة الخصم والحكم في نفس الوقت ومن ورائه أمريكا واسرائيل والدول الغربية المعروفة بسعيها الحثيث ومنذ عدة عقود لقضم جنوب السودان بدعاوى مماثلة لم تستطع الحكومات السودانية المتعاقبة دحضها بما قدمت من أدلة واضحة على ضلوع جيش تحرير السودان في جرائم مماثلة لما ترتكبه عصابات دارفور ومنها تجنيد الأطفال بعد خطفهم من أسرهم ونقلهم إلى المعسكرات لتدريبهم وإجبارهم على السير مسافات طويلة حفاة عراة مثقلين بالأسلحة والذخائر التي ينقلونها للمقاتلين أو توجيهها ضد السلطات الشرعية السودانية. فقد نسب إلى رئيس المحكمة القول إنهم قد أعادوا النظر في قرار تجميد مذكرة اعتقال وملاحقة الرئيس البشير لورود أدلة جديدة كثيرة وأكثر مما كانوا يحتاجون من الأدلة التي تسند قراراً جديداً لا يقبل التأجيل، وما على الرئيس البشير إلا تسليم نفسه أو البقاء في داخل بلاده حتى لا يتعرض للاعتقال وهو في الطريق للقيام بزيارات أو حضور مؤتمرات إقليمية ودولية، وإلا فستعتبر الدول التي لا تصدر تعليماتها لأجهزتها المعنية غير متجاوبة مع الشرعية الدولية، أو تتهم بأنها مؤيدة للإرهاب والمجرمين أو متسامحة معهم على أقل تقدير!!. فهل لو كان أوكامبو قد كلف بالتحقيق في جرائم اسرائيل في قطاع غزة أوائل العام الماضي سيجرؤ على توجيه اتهامات لحكومة اسرائيل وقادتها العسكريين وطالب العالم بمجتمعاته المختلفة بمحاكمة القادة الصهاينة على تلك الجرائم وعلى استخدام الأسلحة المحظورة التي لم تسلم منها المدارس والمخيمات التي تشرف عليها منظمة الأونروا الأممية؛ فأسقطت الطائرات الاسرائيلية القنابل الفسفورية عليها عمداً رغم أنها تعلم أن مئات من الفلسطينيين خاصة الطلاب والنساء والأطفال قد احتموا بها، وأنهم قد قتلوا ومعهم عدد من موظفي المنظمة، وأحرقت المواد الغذائية والعلاجات التي كانت في المخازن واطلع عليها أمين عام الأممالمتحدة نفسه وعبّر عن حزنه لما رأى وشجبه وإدانته استخدام الأسلحة المحرمة دون تمييز ضد الفلسطينيين، بالإضافة إلى مشاهدة آثار الدمار في كل أنحاء القطاع والأوضاع المأساوية الفظيعة التي حركت الضمائر في شتى أنحاء العالم؟!. نعتقد أن هذا الرجل كان سيدير ظهره للكل ويرفض اتهام اسرائيل وقيادتها المدنية والعسكرية على جرائم قد وقعت واستمرت حوالي الشهر دون انقطاع. ومن يدري أنه قد يلوم المحقق جولدستون الذي وضع تقريراً هو الأول من نوعه يدين اسرائيل ويطالب بمحاكمة ضباطها ومسؤوليها الكبار وغيرهم ممن ارتكبوا من الجرائم ضد الفلسطينيين ما يفوق جرائم النازية المزعومة بحق اليهود في الحرب العالمية الثانية.