نوّه الله تعالى في محكم كتابه الكريم بجمال الصوت وحسنه، فقال تعالى يصف جمال صوت نبي الله داود عليه السلام بأنه صوت حسن فأمر الجبال أن تؤوب معه وكذلك الطير: «ياجبال أوبي معه والطير». قال الإمام ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية: يخبر تعالى عما أنعم به على عبده ورسوله داود مما آتاه الله من الفضل المبين, وجمع له بين النبوة والملك المتمكن.. وماأعطاه ومنحه من الصوت العظيم, الذي كان إذا سبح به تسبح معه الجبال الراسيات, الصم الشامخات وتقف له الطيور السارحات والغاديات والرائحات وتجاوبه بأنواع اللغات. وفي الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم سمع صوت أبي موسى الأشعري يقرأ من الليل, فوقف فاستمع لقراءته, ثم قال: «لقد أوتي هذا مزماراً من مزامير آل داود» انتهى. والصوت الجميل يطرب الإنسان والحيوان على السواء, وقد ورد في الحديث أن الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام قال لأنجشة, حادي الإبل, ذات سفر, وكان على الإبل النساء في الهوادج: رفقاً ياأنجشة بالقوارير, ذلك لأن أنجشة الحادي الذي مهنته «يغني» للإبل لتسير سيراً طيباً أن يتمهل قليلاً فلا يستمر في الحداء على النحو الذي يجعل الإبل تنطلق في السير, فترهق النساء الراكبات.. فالصوت الحسن يثير الشوق والأريحية, فيصير الإنسان مرهف الحس أنيق الوجدان. وقد ذهب بعض العلماء إلى أن الغناء مكروه لما يثيره من الغرائز الدنيا، بل ويستدلون بأحاديث تحرم الغناء, قلت إن العلماء المحققين قد ذهبوا إلى أن كل الأحاديث التي تحرم الغناء ضعيفة الإسناد, ثم إن بعض العلماء توسطوا في الأمر فقالوا إن الأمر يتعلق بما يقال, وليس باللحن. أما الفطرة البشرية فإنها تنزع إلى الجمال, فكما أن الإنسان يسعد برؤية الزهور والأنهار والينابيع وجمال السماء بما فيها من نجوم وأقمار وأهلة, وتسعده رؤية المطر, والشروق والغروب, فإنه يسعد بسماع الأصوات الرخيمة العذبة أكانت صادرة من إنسان مليح الصوت, أو طير جميل التغريد. ولقد خلق الله في كل أمة أناسي لهم أصوات عبقرية, يثيرون الجمال في النفس، ويستدرجون القسوة والجهامة, وغلظ القلوب إلى العدم, ليستمتع الإنسان بجمال الوجود.. وغداً لنا لقاء لنتحدث عن أصوات عبقرية من اليمن السعيد.