استشعار الدول العربية في الخليج بضرورة الوقوف إلى جانب اليمن في ظل الظروف القائمة نابع من حقيقة موضوعية يدركها العارفون، فما يجري في اليمن لا يعدو أن يكون أزمة مشخصة على مستويات متعددة، وما تواجهه اليمن من أزمات لا تقتصر على الاحتقانات السياسية الماثلة، بل أيضاً الصعوبات الموصولة بجملة من العوامل، فبالإضافة إلى تناقص كميات النفط المستخرجة التي بلغت قبل سنوات نصف مليون برميل يومياً إلى ما يقارب 350 ألف برميل ،الآن تزايدت فاتورة المدفوعات الخارجية بصورة متصاعدة، علماً بأن النفط كان ومازال يشكل مصدر التمويل الرئيس لميزان المدفوعات الخارجية، ومع تراجع أسعار النفط، وبداية متوالية الأزمة المالية الدولية وجدت اليمن نفسها أمام رصيد من العملات الصعبة لا يتجاوز بضع مليارات من الدولارات التي تعد بأصابع اليد، واستحقاقات باهظة دونها الرصيد السكاني الفتي الذي يتجاوز عملياً العشرين مليون نسمة. أمام هذه الحقيقة المتوازنة مع بيئة الفساد المالي والإداري كان لابد لليمن أن تشهد توترات واستقطابات غير حميدة، وهذا ما كان، فقد التهمت الحرب السادسة في صعدة آلاف الشباب المقتول والمعوّق، ومئات ملايين الدولارات التي صرفت على مدى أشهر المتاهة، ومع توقفها المحفوف بالاحتمالات ليس أمام الدولة خيار سوى تأمين أضعاف تلك المبالغ لتعود الأمور إلى نصابها، فالتدمير أسهل من البناء ومن جهة أخرى وبالترافق مع ما بعد هدوء صعدة ينحسر الأمل في استتباب المعالم، جراء تنامي الحراك الجنوبي الذي لم يعد حراكاً مطلبياً واضح المعالم، بل تقمّص أشكالاً جديدة من المطالب والمواجهات، واختلط فيها الحابل بالنابل، فإذا نحن أمام بانوراما من الخرائب والاشتعالات التي لا تبدأ بالموت المجاني، ولا تنتهي بأحكام الطوارئ. أمام هذا المشهد غير المنكور تحاول دول الخليج العربي تبني أجندة إسهامات مالية واستثمارية من خلال تدوير مرئيات مؤتمر المانحين في محطته التالية بالرياض، واستتباعاتها القادمة، لكن الوقت لم يعد متاحاً للتأجيلات والكوابح النابعة من جملة الشروط المعيارية التي يدرك القاصي والداني استحالة تطبيقها بصورة تامة لأسباب تتعلق بالبيئة الإدارية والمالية والقانونية السائدة في اليمن، ولهذا السبب بالذات صرح الرئيس علي عبدالله صالح غير مرة ،مشيراً إلى أن على المانحين أن يحددوا المشاريع التي يرتأونها مناسبة، وأن يتعاقدوا بأنفسهم مع الشركات المنفذة، وأن يكون التركيز على مشاريع البنية التحتية ذات الأثر الشامل على الاقتصاد اليمني. يتبادل الطرفان الكرة كما لو أنهم في ملعب للتسلية، فيما تتدهور الأمور بمتوالية متسارعة، وبهذه المناسبة يحق لدول المجلس أن ترى في الشأن اليمني أمراً داخلياً صرفاً يخص اليمنيين، كما يحق لليمن أن تُمسك بجمرة الحقيقة الساطعة والقائلة بأن مشكلة اليمن تحل في اليمن أولاً، فاليمن ليست بحاجة إلى من يعطيها سمكة، بل بحاجة إلى أن تنخرط في فن اصطياد الأسماك كما يقول المثل الصيني. اليمن بحاجة إلى أن تُعفي الأشقاء من مشقة البحث الدائم عن معايير مفصلة على مقاسات في ظاهرها الرحمة وفي باطنها التعلل.