من الصعب جداً أن تصل مدينة ما إلى مستوى التسامح والتعايش الإنساني الذي لايخضع لفرز الإنسان أو تمييزه حسب لونه أو جنسه أو مولده أو دينه أو مذهبه, لكن مدينة تريم اليمنية استطاعت أن تصل إلى تلك المكانة, واستحقت أن تكون مدينة المحبة والأنس الروحي والتعايش الإنساني المذهبي وواحة السماع الصوفي الذي لاينقطع.. تسلمت مدينة تريم في مثل هذا اليوم من الأسبوع الماضي راية الثقافة الإسلامية, تأكيداً لنهجها القائم على دعوة الحكمة والموعظة الحسنة ومنهج الوسطية, الذي اتخذه أبناؤها مساراً وواجهة لهم وعنواناً للمدينة والإنسان معاً, لايتوه عنه إلا جاهل بهذه المدينة تاريخاً وموقعاً وإنساناً ودوراً وحضارة ومسؤولية ودعوة ورسالة. تسلمت تريم راية الثقافة الإسلامية الوسطية بقوة واقتدار, رغم كل الظروف وتناسينا للتاريخ والدور الذي قام به الإنسان اليمني شرقاً وغرباً من خلال هذه المدينة الرائعة, مع ذلك نراهن على تريم المحبة والتعايش والتصوف والتجلي والتحليق بجناحي الشريعة والطريقة, العلم والزهد, السلوك والتقوى, الذكر والعمل, المراقبة ومحبة الآخر ودعوته للنجاة, ستعزز قيم الثقافة الإسلامية الوسطية, دعوة الاعتدال والرحمة, التعايش الإنساني والتلاقي الروحي, إشاعة قيم المواطنة المتساوية أمام الله والدولة والناس والقانون, ميزان التفاضل فيها هو التقوى وليس غيره, على هذا الأساس تصبح التقوى الضمير الحي في فكر الإنسان وسلوكه ومشاركته وتفاعله وحواره وحتى مواطنته وحقوقه وواجباته. تبقى تريم محط أنظار الجميع على طول وعرض الخارطة الإسلامية والدولية في هذا السياق يتطلب من المجتمع والدولة مواكبة الحدث وتسليط الأضواء عبر قنواتنا الفضائية- كأبسط وفاء- لترصد لنا ولكل محبي تريم وعشاق الثقافة والتعايش الوسطي الإسلامي, تريم المدينة والثقافة والإنسان, تريم التثاقف والتلاقي الحضاري, تريم الرسالة الإنسانية والتلاقح المعرفي, تريم المنهج والسماع الصوفي, تريم المبنى والمعنى, تريم الصورة والاعتدال الخالي من تدليس الأقطاب وتقديس الأشخاص والمريدين للمشائخ والموتى والأضرحة. إنها فرصتنا لكي نخلق من المستحيل مسلسلاً لتريم بشكل يومي لمدة ساعة- على الأقل- في قنواتنا الفضائية, حتماً سيعمل على رصد كل شبر فيها, تقليب صفحات تاريخية قد طالها النسيان, رصد وتتبع وتعداد كل مايتعلق بعادات وتقاليد وتنوع وتعايش أهل تريم وثقافاتهم واهتماماتهم وعمقهم التاريخي واسهامهم الثقافي والحضاري في قلب اليمن وشرق العالم وغربه, رصد تأثيرهم الدعوي وتحقيقهم السبق في حمل الدعوة إلى الله بالحكمة والسلوك الإسلامي المتزن عبر القرون الإسلامية التالية لعهد النبوة وعدم التعاطي مع الغلو والتطرف والإرهاب للآخر المختلف معه. هل نستطيع الاستغناء عن بث ومشاهدة حلقة يومية لتلك المسلسلات غير الهادفة في قنواتنا الفضائية لتصبح تريم مسلسلنا اليومي الجديد, يتعرف عليها اليمنيون جميعاً على اختلاف أعمارهم وجغرافيتهم, يتتبعون فعالياتها وفتوحاتها الثقافية والدعوية والإنسانية بشكل مباشر, تزرع بعبقها الصوفي المتألق روح التجديد والعصرنة, تشيع ثقافة الاعتدال لتخفف عن عقول أبنائنا وأجيالنا ثقافة الغلو والتطرف, تبث في وعيهم وتفكيرهم عظمة الإسلام والإنسان والتاريخ, تفوق المدينة والحضارة اليمنية كأقدم حضارة جاءت من أجل الإنسان لا على حسابه. لن نطلب أكثر من ذلك الدور المنتظر للإعلام اليمني, كجمهور متابع ومتلق ومتخصص, هل نحلم باستجابة وزارة الإعلام والثقافة لتحقيق هذا الحلم المشروع وطنياً وثقافياً وإنسانياً؟. [email protected]