مصطلح «الجملوكيات» عمّ وانتشر على لسان العديد من مفكري العالم العربي، وتشبه «الجملوكيات» في الأنظمة الثورية، ما جرى في القرن التاسع الميلادي، فقد اعتلى عرش (بيزنطة) القيصر (ميشيل الثالث) بعد أن أطيح بحكم أمه (ثيودورا) من خلال مؤامرة حاكها عم الملك المدعو (بارداس). وكان الأخير مثقفاً ذكياً، يحسن التصرف في أمور المملكة. نفيت (ثيودورا) بعد ذلك إلى دير تقضي بقية عمرها فيه، بعد أن قتل الرجل الذي أحبت (ثيوكتيستوس). وهكذا خلا الجو للملك الجديد، ولكن ميشيل الثالث كان قد تعلّق قلبه بصديق له جمعت به الصدف على غير موعد، فقبل سنتين من اعتلائه العرش، كان في زيارة لإسطبل الخيل في القصر الملكي؛ فأعجبه حصان رشيق غير مروّض؛ فلما اقترب منه هاج هيجاناً عظيماً، لولا أن أسرع له شاب يوغسلافي مفتول العضلات تصدى له فأنقذ حياته. شكره ولي العهد، وأمر من فوره بترقيته، من خادم في الإسطبل إلى رئيس عام حظائر القصر الملكي، وسرعان ما لمع نجم صاحبنا (خادم الإسطبل) المدعو(باسيليوس) في القصر بروحه المرحة وتواضعه. زاد تعلّق الأمير به، حتى أصبح وسائس الخيل القديم لا يفترقان؛ فأصبح نديمه في شرابه، وخليله في ترحاله، وموضع أسراره، حتى اعتلى ميشيل العرش، وتسمّى بميشيل الثالث، وبدأ يبحث عن مستشار خاص له، يعينه في تدبير أمور المملكة. وكانت بيزنطة لؤلؤة الشرق تلك الأيام؛ فمالت عاطفة الملك باتجاه نديمه في الشراب، وهكذا رسا الرهان على خادم الإسطبل السابق باسيليوس؛ فلم يقرّب عمه أو من يفهم في الإدارة والحكم والسياسة، بل صديقه الذي كان يتقن تسريج الخيل، أكثر من إدارة شئون المملكة، أو معرفة خفايا السياسة. وفي ليلة واحدة أصبح سائس الخيل، واحداً من أشد المقربين من السلطان، وأكثرهم حظوة وامتيازاً وسطوة. وكانت هناك مشكلة مع باسيليوس؛ فلم يكن حدود لطمعه وجشعه ودراهمه، فأغدق عليه الملك من المال القناطير المقنطرة، فأفلست خزائن الدولة، حتى جاء اليوم الذي أوحى للملك أن عمه بارداس يتآمر عليه. قال له: أيها الملك هذا عمك بارداس يحيك المؤامرة للإطاحة بك؛ فمن أتقنها مرة، لم تعجزه ثانية؟ قال له: وماذا أفعل؟ قال: وهل جزاء الخيانة إلا القتل؟ مذكراً إياه بالإطاحة بوالدته ثيودورا؟ قال له: ومن سينفذ ذلك؟ قال: أنا لها إن شئت. ذهب باسيليوس في يوم مزدحم من سباق الخيل، فطعنه بخنجر على حين غفلة من أهلها فقتله، وبعد قليل طلب باسيليوس من الملك ميشيل ترقيته إلى رئيس القوات المسلحة الملكية، بعد أن أدى الأمانة، وأنقذ العرش. أحسن إليه الملك ورفعه، ثم زوجه أجمل بنات القصر (أويدوكسيا انجرينا)، وزاد من عطائه إلى ثلاثة أضعاف. ثم دارت الأيام دورتها حتى جاء ذلك اليوم الذي وقع الملك في ضائقة مالية، بعد أن صفر الهواء في صناديق المملكة، بسبب البذخ والإنفاق على سائس الخيل السابق، فطلب من صديقه القديم الخادم المكدوني أن يرد له شيئا من المعروف الذي أعطاه. نظر إليه باسيليوس بتخابث، ورفض إعطاءه المال، وكان أثناء هذا قد أصبح رئيس الجيش، وبنى علاقات مع القوات المسلحة، ورجال القصر، والمجلس الاستشاري، بل وأصبح أغنى وأقوى من نفس القيصر. بدأ ميشيل يصحو على حقيقة مرة، أن من صنعه بيديه، أصبح قابضاً على مصيره،حتى واجه ساعة الحقيقة بعد أسبوعين؛ عندما اقتحم رجال الحرس الإمبراطوري القصر الملكي، وأحاطوا بالملك المذعور. سأل صديقه باسيليوس التفسير؟ وكان مشرفاً على العملية فأجابه ببرود: وهل أتيت لأشرب القهوة عندك؟ ثم التفت إلى الجنود وقال لهم: قوموا بواجبكم يا شباب، فطعنوه بالحراب، ثم احتزوا رأسه؛ فوضعوه على رأس رمح، ثم طافوا به شوارع بيزنطة، وهم يهتفون بحياة القائد إلى الأبد: بالدم بالروح نفديك يا باسيليوس.