كنت أظن أن سجية الكرم الحاتمي قد ذهبت بذهاب صاحبها حاتم الطائي الذي وصل به الكرم إلى أن فقد كل ما عنده من أموال, فاضطر في مرة من المرات لأن يقدم نفسه هبة لأحد الأضياف بعد أن لم يجد ما يضيّفه به, وفعلاً فقد خرج حاتم نفسه إلى الضيف وأوهمه بأنه عبد مملوك لحاتم قائلاً: إن سيدي حاتم لم يجد ما يضيفك به سوى أن يهديني إليك. وتقول الرواية : إن الرجل قد أخذ (حاتم) ولم يكن يعلم أنه حاتم الطائي سيد قومه ثم باعه وظل حاتم سلعة يتداولها التجار في (نجد) حتى وصل إلى صنعاء فعرفوه هناك وأعطوه الحرية وعاد إلى بلده سالماً مكرماً.. هذه الرواية قرأتها في كتاب «مجموع بلدان اليمن وقبائلها» للقاضي الحجري رحمه الله. إن مثل هذا النوع من الكرم الذي ينم عن سذاجة العقلية العربية وتطرفها في التعامل مع قيم الحياة ,كنت أظنه ضرباً من المبالغة اختلقه الرواة لتمجيد الشخصية العربية وما تتحلى به من فضائل وقيم, ولكنني اليوم أؤمن بصحة هذه القضية وازداد إيماناً بأن العرب قوم لايعرفون الوسطية بل يتعاملون بحدِّة مع كل قضايا الحياة، فإذا يجودون لم يبخلوا، وإذا بخلوا لم يجودوا, وإذا أحبّوا لم يكرهوا وإذا كرهوا لم يحبوا. أيقنت بهذا يوم أن رأيت موقف اليمنيين من قضية اللاجئين الأفارقة , فحين يزداد عدد المتسللين عبر الحدود كل يوم بالعشرات وربما بالمئات نجد استعدادات الشارع اليمني للاندماج مع هؤلاء الوافدين واستيعابهم وتقبل ما يشكله0............تكاثرهم من أعباء ومشاكل اقتصادية وسكانية وتنموية ثم التغاضي عن مختلف المخاطر التي تكشف الحقائق أنها تمس أحياناً بسيادة الوطن، وضمان أمنه وسلامه، وأحياناً أخرى تعرض كيان المجتمع اليمني لكثير من مظاهر الفساد الأخلاقي وإقحامه في سلوكيات خاطئة لم يألفها مجتمعنا وليست من عاداته. فالواقع أن استحضار اليمنيين لمبدأ الأخوّة وتقديرهم لحق الجوار قد وصل إلى مرحلة (السذاجة واللامبالاة) في النظر إلى ما ستتحمله اليمن (البيئة والأرض والإنسان) من تبعات لن تنفك عن إعاقة جهود التنمية المجتمعية ومستقبل الوضع الاقتصادي. فنحن كرماء حاتميون ليس لأن حاتم من طي وهي قبيلة يمنية فحسب ، ولكن لأننا بموقفنا من أشقائنا الأفارقة نبيع أنفسنا كما صنع جدنا حاتم للأزمات ونكتوي بنار التضعضع الاقتصادي ونصيح في وجه الأممالمتحدة وما تحتها من منظمات: (ألا تشاركوننا في حمل هذه الأعباء وتقدرون تكاليفها على دولة شحيحة الموارد ؟!) فيكون الجواب عائماً ويسير على ماهو (موضة) في تقارير المنظمات اليوم: (حاربوا الفساد.. جففوا منابعه). مسؤولونا يقولون إن بلادنا تقدم كثيراً حيال قضية اللاجئين، ونحن نقول: إن بلادنا تفقد كثيراً لأن ظاهرة اللجوء اليوم أصبحت عنصراً أساسياً في المشهد اليومي, ويقولون: هذا واجبنا تجاه أشقائنا، ونحن نقولك إن الواقع لم يفصح إلى الآن عن آلية واضحة للتعامل مع هذه القضية بحيث تجبر المجتمع الدولي على مشاركتنا هذه الهموم وتعزيز قدراتنا في ضبط المداخل والمنافذ الشرعية للحيلولة دون استثمار هذا الانفلات في أغراض التجارة المحرمة أو تنقل الجماعات الإرهابية بحرّية. فيا من تتحدثون عن نبل الإنسان اليمني في التعامل مع هذه القضية اعطوا الاخوّة حقها في إطار السلامة المجتمعية أو اضبطوا مسارها بما يجنب هذا البلد مزيداً من التضخم الاقتصادي، فإن بيع همومنا على أبواب المانحين لن يكون سبباً في التهام مشكلة أعباء اللجوء مادمنا نقول لهم إن أفارقة اليمن مازالوا في عداد المليون.