أكد نائب وزير الخارجية ورئيس اللجنة الوطنية العُليا لشؤون اللاجئين، الدكتور علي مثنى حسن، أن ظاهرة اللجوء إلى اليمن لا تزال مصدر قلق للحكومة نتيجة الأعباء الاقتصادية والاجتماعية والأمنية التي تخلفها الظاهرة في ظل محدودية الإمكانيات، مشيرا إلى أن اليمن يسعى إلى التواصل حاليا مع دول مجلس التعاون الخليجي من أجل المساهمة في جهود إيواء ورعاية اللاجئين الأفارقة. وأوضح الدكتور حسن في حوار مع "السياسية" أن استمرار الأوضاع المضطربة في الصومال أدى إلى تنامي ظاهرة اللجوء فيما تلوح المشكلات الاقتصادية في بعض بلدان القرن الأفريقي بتصاعدها في المستقبل، مشيرا إلى أن مُعالجة الظاهرة مرهونة باهتمام المجتمع الدولي والدول المجاورة للصومال بإيجاد حل سياسي للقضية الصومالية. وأكد أن الإجراءات الأمنية التي اتخذتها الحكومة اليمنية مؤخرا بحق اللاجئين الأفارقة جاءت بسبب التهديدات الأخيرة التي أطلقتها جماعة "الشباب المجاهدين"، مشيرا إلى أنها استهدفت الحفاظ على الأمن وعدم السماح لأية جماعة أن تستغل التسهيلات التي تقدّمها الحكومة اليمنية للاجئين الصوماليين في القيام بأعمال إرهابية أو تخريبية مُخلّة بالأمن. وقال إن قرار إغلاق الممرات البحرية لليمن لم يكن موجها ضد اللاجئين الأفارقة بل ضد عصابات التهريب والقراصنة، وجاء في إطار جُملة الإجراءات الأمنية التي اتخذتها الحكومة اليمنية في هذا المجال، لكنه لفت إلى أن إغلاق اليمن جميع ممراته البحرية عملية صعبة لمحدودية الإمكانيات المتوفّرة لدى قوات خفر السواحل، مشيرا إلى أن ما اتخذ كان خُطوة مُهمة لمراقبة المياه الإقليمية.
هنا نص الحوار .. * بداية كيف تنظرون إلى ظاهرة اللجوء إلى اليمن اليوم؟ ظاهرة اللجوء مقلقة بالنسبة لبلادنا؛ بسبب ما تشكّله من أعباء اقتصادية واجتماعية وأمنية، لكون قُدرات بلادنا المحدودة لا تمكّنها من تقديم المأوى والخدمات الضرورية للعدد الكبير من اللاجئين، ورغم ذلك تحاول الحكومة اليمنية بالتعاون مع مُفوضية اللاجئين والدول المانحة تقديم ما تستطيع التزاما منها بالتعهدات الإنسانية والدولية التي وقّعت عليها ولاعتبارات حُسن الجوار والأخوّة.
* هل ثمّة مشكلات خلّفها استمرار تدفق اللاجئين إلى اليمن؟ هناك مشكلات عديدة يسببها تدفق اللاجئين إلى بلادنا، منها المشكلات الأمنية المتجسّدة في تهريب البشر ومُمارسة أعمال خارجة عن القانون، مثل: التزوير والجرائم المنظّمة بالإضافة إلى التهديدات الأخيرة التي أطلقتها جماعات الشباب المجاهدين، كذلك المشكلات الصحيّة التي تشكل ضغطا على محدودية الخدمات الصحيّة المتوفّرة في البلاد. وهناك مشكلات تتعلق بالتأهيل والتعليم المهني، وكذا توفير فرص العمل، وكل هذه الأمور وقضايا أخرى تسبب صعوبات ومشاكل تُعيق التنمية في اليمن.
إجراءات أمنية * استمرار الأوضاع المضطربة في الصومال إلى أي مدى جعل الظاهرة مرشحة للزيادة؟ - بكل تأكيد استمرار الأوضاع على ما هي عليه في الصومال يؤدي إلى تنامي ظاهرة اللجوء؛ كون عدم الاستقرار والصراع المسلّح الدائر بين الأطراف المختلفة في الصومال بالإضافة إلى فُقدان الأمن وانهيار مؤسسات الدولة هناك هي الأسباب الرئيسية للجوء إلى الدول المجاورة، ومنها اليمن، ولهذا تحرص الحكومة اليمنية في كل المحافل الإقليمية والدولية على التأكيد بأن معالجة ظاهرة اللجوء تكمن في اهتمام المجتمع الدولي والدول المجاورة للصومال بإيجاد حل سياسي للقضيّة الصومالية.
* الإجراءات الأمنية التي باشرتها صنعاء بحق اللاجئين ماذا شملت؟ وما الهدف منها؟ الإجراءات المتّخذة مؤخرا جاءت بسبب التهديدات الأخيرة التي أطلقتها جماعة "الشباب المجاهدين"، وقد اتخذت الحكومة جُملة من الإجراءات بهدف الحفاظ على الأمن وعدم السماح لأية جماعة أن تستغل التسهيلات التي تقدّمها الحكومة اليمنية للاجئين الصوماليين في القيام بأعمال إرهابية أو تخريبية مُخلّة بالأمن والنظام في بلادنا، ومن ضمن تلك الإجراءات الشّروع في عملية تسجيل وحصر اللاجئين المقيمين، وكذا رفع الحيطة والحذر في المنافذ والشواطئ اليمنية، ورفع مستوى جاهزية خفر السواحل، وإعادة النظر في سياسة القبول التلقائي للاجئين الصوماليين.
* إلى أي مدى صار ملف اللاجئين يُشكّل تهديدا للأمن في اليمن؟ لا شك أن هذه الملف مُهم للغاية، ونحن نعتقد بأنه لا بُد من إعطائه الاهتمام الكافي؛ تجنبا لأية مضاعفات نحن في غنًَى عنها.
* أعلنت السلطات قبل أيام إغلاق ممراتها البحرية أمام اللاجئين، لماذا هذه الخُطوة؟ لا بُد من تصحيح السؤال أولا، فهذه الإجراءات ليست موجهة ضد اللاجئين بل ضد عصابات التهريب والقراصنة، وهي خُطوة من جُملة الإجراءات الأمنية التي اتّخذتها الحكومة اليمنية.
* هل تعتقدون بأن اليمن قادر على إغلاق كل المنافذ البحرية للحد من هذه المظاهر؟ هذه الإجراءات موجهة -كما ذكرت سابقا- ضد عصابات التهريب، ولمواجهة ظاهرة القرصنة البحرية والسطو المسلّح على السفن التي انتشرت في الآونة الأخيرة، وهي -بلا شك- عملية صعبة لمحدودية الإمكانيات المتوفّرة لدى خفر السواحل في بلادنا، لكنها خطوة مُهمة لمراقبة المياه الإقليمية اليمنية، وسوف تعمل الجهات المختصة ما تستطيع لتنفيذ هذه المُهمة بنجاح، وسوف تنسّق وتتعاون مع الدول المُجاورة والصديقة العاملة في المياه الدولية لتحقيق هذا الهدف.
تنظيم القاعدة * تتحدث تقارير عن عمليات تسلل لعناصر القاعدة بين اليمن والصومال، كيف ترون ذلك؟ هذه قضايا أمنية صرفة، ولا توجد لدينا معلومات دقيقة حولها، ويمكن التأكد منها عبر الجهات الأمنية المعنية بذلك، لكن ما يهمنا هنا هو أن تتخذ الحكومة اليمنية كل الإجراءات المُتاحة لمنع مثل هذه العمليات -إن وُجدت.
* تأمين السواحل اليمنية صار مطلبا مُلحا اليوم من دول العالم، هل يمكن القول إن السواحل اليمنية مؤمّنة؟ وماذا تحتاج اليمن من أجل تأمين سواحلها؟ تأمين السواحل اليمنية ضرورة أمنية يمنية في المقام الأول، وهذه من القضايا التي يهتم بها الكثير من الدول، أيضا. لكن كما هو معروف سواحل اليمن طولها حوالي 2400 كم، وهذا الامتداد بحاجة إلى إمكانيات وتجهيزات كبيرة تفوق موارد الدولة، ولهذا نتناول دائما في لقاءاتنا مع الوفود الزائرة حاجة اليمن إلى دعم قوات خفر السواحل من خلال التدريب وتوفير القوارب والتجهيزات الخاصة بالملاحة والرّقابة البحرية وغيرها من الاحتياجات، وقدّمت بعض الدول الدعم والمساعدة، ونتوقّع أن تُقدّم دول أخرى مساعدات، أيضا.
* تقرير حديث للكونغرس الأميركي قال إن التدهور الأمني في اليمن وضعف الحكومة دفعا تنظيم القاعدة لاستغلاله، وتوسيع نشاطه على الساحة الداخلية، كيف ترون هذا الطرح؟ اعتقد بأن هناك تضخيما إعلاميا لخطر القاعدة في اليمن، وليس هناك تدهور أمني بالشكل الذي يسمح بتوسيع نشاط القاعدة. وقد أكدت الحكومة اليمنية في أكثر من مناسبة بأنها جادة في حملتها الأمنية لملاحقة عناصر تنظيم القاعدة، وقد أظهرت جهود الحكومة قُدرتها على التعامل الناجح مع هذه العناصر، ولهذا فإن مثل هذا الطرح غير سليم، ولا يُلامس الحقيقة.
++القرار 1267 * في ضوء القرارات التي خلص إليها مؤتمر "لندن" أشار البعض إلى أنه وضع اليمن تحت الوصاية الدولية وفقا لقرار مجلس الأمن 1267، كيف ترون هذه القضية؟ - أكد البيان الصادر عن اجتماع لندن أن الدول المشاركة تلتزم بوحدة اليمن وأمنه واستقلاله، وعدم التدخّل في شؤونه الداخلية، وهي عبارة كافية لدحض إدعاءات الوصاية الدولية. وما يتعلق بقرار مجلس الأمن المُشار إليه فهو لغرض توضيح الالتزام الدولي بمكافحة الإرهاب، وقد أعلنت اليمن تعاونها الإيجابي مع المجتمع الدولي في هذا المجال، ولا يوجد ما يثير القلق منه.
* إلى أي مدى يشكّل وجود قوات دولية وبوارج حربية في البحرين العربي والأحمر قلقا لليمن؟ نحن ننظر إلى وجود هذه القوات بهدف مكافحة ظاهرة القرصنة البحرية التي تحوّلت مؤخرا إلى عامل تهديد للملاحة الدولية، وهذه القوات جاءت أساسا بعد تنامي ظاهرة القرصنة والإرهاب في المنطقة، وإذا ظلت في إطار هذه المهمّة فهي لا تُشكّل قلقا لليمن إلا إذا خرجت عن نطاق هذه المهمّة، وحاولت التدخّل في المياه الإقليمية اليمنية، فإن ذلك أمر غير مقبول.
++حصر اللاجئين * لو عُدنا إلى ملف اللاجئين .. كم العدد الإجمالي للاجئين المسجّلين اليوم؟ وهل هناك بيانات بشأن غير المسجّلين؟ هناك اختلاف في الأرقام لأعداد اللاجئين المقيمين في اليمن، فالحكومة اليمنية تقدّر عددهم بحوالي 800 ألف لاجئ، بينما المسجلون لدى مكتب المفوضية هم 180 ألف لاجئ، إلا أن عملية التسجيل لم تنتهِ بعد، ونتوقّع بعد اكتمالها في جميع مناطق الجمهورية أنه سيكون لدينا رقم صحيح لأعداد اللاجئين المتواجدين.
* أُعلن قبل فترة بدء عمليات حصر وتسجيل اللاجئين، إلى أين وصل هذا المشروع؟ عملية التسجيل لا تزال في بدايتها، وسوف تأخذ وقتا حتى تنتهي هذه المهمة، بسبب الانتشار الواسع للاجئين في جميع مُدن وقرى البلاد. وهناك إجراءات فنّية يتم التعامل بها لإثبات هويّة اللاجئ، وتحديد مكان تواجده ومنحه البطاقة المُخصصة لهذا الغرض.
* ما هي الإجراءات التي تفرضها الحكومة على اللاجئين غير المسجّلين حاليا؟ منحت الحكومة اليمنية فترة محددة تراوح بين شهرين وستة أشهر لإنجاز هذه المُهمّة، وحتى الآن تم الانتهاء من تسجيل ما يُقارب 40 ألفا في مراكز التسجيل في صنعاء وعدن ولحج، ونتوقّع تسارع هذه العملية بعد الإجراءات الأخيرة التي أُعلن عنها، وهي ضرورة التسجيل ما لم سيُواجه المتخلّفون إجراءات قانونية.
* كيف تقيِّمون التعاون الدولي مع اليمن في إيواء ورعاية ومساعدة اللاجئين؟ في الفترة الماضية كان هناك تواصل مع المنظّمات الدولية والدول المانحة، وكان لذلك النشاط مرود إيجابي ساهم في رفع ميزانية مكتب المفوضية بصنعاء إلى أربعة أضعاف، وزيادة عدد الموظفين فيها، كما إن التعاون جيّد رغم طموحنا في أن يتطوّر إلى مستوى أفضل. ونحن نأمل في أن تنعكس زيارات الوفود المختلفة للدول المانحة في رفع مستوى الدعم المادي في هذا المجال. كما نسعى إلى التواصل مع الدول المجاورة وبشكل خاص دول مجلس التعاون الخليجي لدفعهم إلى المساهمة ضمن جهود المانحين في مجال مواجهة أعباء هذه الظاهرة.
++نشاطات اللجنة الوطنية * ماذا عن نشاطات اللجنة الوطنية لشؤون اللاجئين في الرعاية وتخفيف الأعباء على اليمن؟ وهل ثمّة مشاريع جديدة؟ قامت اللجنة الوطنية لشؤون اللاجئين بالعديد من الأنشطة التي ترتبط بالتنسيق مع الجهات المختصة في الداخل والتواصل مع المنظّمات الدولية والدول المانحة خارجيا، والتي تهدف إلى التعامل الإيجابي والمنظم مع هذه الظاهرة الإنسانية. وقد نجحت جهود اللجنة الوطنية في إنشاء إدارة عامة مختصة بشؤون اللاجئين وإقامة مراكز تسجيل لهم في ثلاث محافظات، هي صنعاء ولحج وعدن. وهناك توجه لإقامة مراكز أخرى. كما حقق نشاطها الخارجي في رفع ميزانية مكتب المفوضية بصنعاء إلى أربعة أضعاف، وكذا حض الدول المانحة على تقديم المزيد من الدعم، وقد زار اليمن لهذا الغرض وفود من الدنمرك والنرويج، وأخيرا وفد مشترك من عدد من الدول المانحة، ونتوقّع أن يزداد الدعم للتخفيف من مُعاناة الحكومة اليمنية من هذه الظاهرة. كما أن اللجنة الوطنية تمكّنت من إنشاء مركز دراسات اللجوء بجامعة صنعاء الذي يقدّم الدراسات والآراء في عدد من القضايا المتعلّقة باللاجئين، وآخرها دراسة الصيغة القانونية المناسبة للتعامل مع هذه الأمور.
* على رغم المشاكل الاقتصادية التي يواجهها اليمن تبقى ظاهرة تدفق اللاجئين مشكلة بسبب الأزمات التي تعانيها منطقة القرن الأفريقي، ما هي توقعاتكم المستقبلية بشأن الظاهرة؟ هناك مشاكل أخرى في دول إفريقية مجاورة تتعرض للجفاف والمجاعة، وقد تكون في المستقبل مصادر لتدفق اللاجئين، ولهذا فإننا نطرق هذه المواضيع دائما في لقاءاتنا مع الوفود الدولية حتى تأخذ هذه الأمور في الحسبان عند البحث عن حلول لظاهرة اللجوء. ومن المُهم الإشارة هنا إلى أن أعداد الوافدين من إثيوبيا قد وصل إلى حوالي 50 ألفا خلال عام 2009.