يعاني العالم اليوم من مشكلة كونية، إما متواطئ عليها أو مسكوت عنها أو غير منتبه لها وهي ضمن هذا الطيف من الاحتمالات الثلاثة مثل السرطان القاتل بدون تشخيص وعلاج. فبعد نهاية الحرب العالمية الثانية اجتمع نادي الأقوياء فعمدوا إلى عملية قيصرية جاء فيها إلى العالم طفل مشوه أبله تماماً كما يحدث في القيصرية المبتسرة، وهو حق الفيتو (النقض) صادروا فيه عملياً إرادة العالم أجمع وبصورة قانونية يعجز فيها إبليس الرجيم عن تصورها. ألا ساء ما يحكمون. هذا المجلس الخبيث هو ألعن من حكومات العالم الثالث فلا يمكن التخلص منه بانقلاب أو موت الزعيم بل هو باق إلى حين يقظة العالم. وهو ليس مجلس أمن بل جهاز رعب كما في أجهزة الأمن في العالم الثالث التي انقلبت وظيفتها كما في التهاب اللوزات المزمن في الحلق فبدل مكافحة الالتهاب تحولت إلى بؤر لبث الالتهاب وورم المفاصل وعطب دسامات القلب بمرض الروماتيزم. وسوف يعمل هذا المجلس التعيس بأقصى طاقته لحين عودة الوعي العالمي من منفاه. وميزة هذا المجلس الجهنمي أن كل عضو دائم العضوية فيه مُنح امتيازاً يعطل فيه إرادة العالم ويغتال العدل ويعضل ولادة العالم على نحو سوي. وعدد سكان أربع دول من هذا المجلس العجيب الخماسي لا يصل في تعداده إلى عدد سكان دولة واحدة مثل الهند. ومن مهازل هذا المجلس أن أي قضية مهما كانت عادلة يمكن تعطيلها بتصويت عضو فيها يختزل إرادة العالم فيه برفع يده مصوتاً ب «لا» ألا ساء ما يزرون. وقرارات الأممالمتحدة تم تعطيلها دوماً من خلال هذا المجلس المنحوس، والعالم اليوم مكبّل اليدين عملياً يعيش حالة الغابة والغلبة بقوة السلاح. ومن الغريب أن هذا المجلس التعيس لا أحد يتحدث عن إلغائه بل الكل يتحدث عن توسيعه، ويتلمظ العرب إلى مقعد في مجلس الرعب هذا بدل التفكير بإلغائه. وبرزت اقتراحات في ضم أعضاء جدد إلى نادي الأقوياء مثل ألمانيا واليابان. وهو يشبه قصة الرهط الفاسدين الذين قصّ علينا القرآن خبرهم من قوم صالح أنه كان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون. قالوا تقاسموا بالله لنبيَّتنه وأهله ثم لنقولن لوليه ما شهدنا مهلك أهله وإنا لصادقون. وعندما أسمع حديث السياسيين أكاد لا أصدق عن عدم انتباههم أو تواطئهم على بقاء هذه العلة في خاصرة الإنسانية. وبالطبع فإن عالم الكبار الخبثاء يراهنون على الاحتفاظ بمزاياهم في وجه المغفلين لآخر لحظة. إن حق الفيتو أو (النقض) هو ضد العقل وعنصري بوضع مصير العالم بيد أشقى القوم وأقلهم عدداً. وهو ضد الديموقراطية التي تنص على التمثيل الفعلي لسكان الأرض واحترام إرادة الأكثرية. هو إذاً بكلمة مختصرة يمثل الشرك الأعظم الذي لا ينفع معه أي عمل: «ولقد أوحينا إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين» والعالم اليوم محبط عمله خاسر سعيه معاق فيه نمو العدل مغتال فيه إرادة العالم أجمعين. والتوحيد بذلك يمثل نقلة نوعية في الفهم فهو ليس جدلاً تيولوجيا بل مشكلة سياسية أرضية، وعندما وجه الرسول صلى الله عليه وسلم رسله إلى جبابرة الأرض دعاهم إلى كلمة السواء ألّا يتخذ البشر بعضهم بعضاً أرباباً من دون الله. ومن نماذج هذا الخسران المبين ما حصل بين أمريكاونيكاراغوا عام 1986م بعد أن أصبحت اليوم نسياً منسياً ولكن يجب استدعاؤها من الذاكرة حتى نعرف خطورة سرطان مجلس الأمن الذي يمثل الشرك الأعظم في العالم. فقد شن ريجان حرباً عليها كلفت مقتل 29 ألفاً من الناس وخراباً يحتاج لثمانين سنة من الإصلاح. لم تفجر نيكاراغوا القنابل في واشنطن أو تقوم بهجمات انتحارية بل تقدمت بطلب إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي تطلب الإنصاف. وصدر فعلاً قرار محكمة العدل الدولية ينصف شعب أمريكا الوسطى ويدين أمريكا ويطالبها بالتعويض. كان جواب أمريكا بلطوا البحر وانقشوا قصائد شعركم على صفحة المحيط. قامت حكومة نيكاراغوا بحركة جديدة ولم تستسلم فتقدمت بطلبها إلى جمعية الأممالمتحدة فصوت بالإجماع لها ماعدا دولتين اثنتين مثل الساقين في سروال واحد: أمريكا وإسرائيل. ثم تقدمت نيكاراغوا إلى مجلس الأمن التعيس مرة أخرى بطلب متواضع هو أن تحترم الدول القانون الدولي ولم تشر لأي دولة. وكان الجواب طبعاً من مجلس المجرمين برفع أمريكا صوتها بالفيتو. وهكذا لم يبق في يد نيكارغوا أي وسيلة في الغابة العالمية المحروسة بغيلان الأطلنطي بأنياب زرق. لن يكون للعالم قرار ولن تتحقق عدالة ولن يقف الإرهاب ما لم ينشأ برلمان عالمي مثل البرلمان الأوروبي يجتمع فيه الناس على كلمة السواء فأوروبا اليوم تتحد ليس تحت مدفعية نابليون أو دبابات هتلر بل تحت كلمة السواء. ليس ألمانيا فوق الجميع بل ألمانيا مثل الجميع. أي تحت شعار التوحيد وليس تحت مظلة الشرك العالمي بحق الفيتو «النقض» الذي ينقض بنيان العالم كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا تتخذون أيمانكم دخلاً بينكم أن تكون أمة هي أربى من أمة..