أودع الله في خلقه أسراراً دونها الجبال الشواهق، فأسرار الخلق لا يحدها حد ولا يصل إلى مراقيها مُتابع وباحث، وقد تبيّن من كامل العلوم المعنية بفيزياء الجسوم البشرية، وتكوينات العقل الإنساني أن لهذا الإنسان طاقات لا يحدها حد، وقابليات لا تتوقف عند حاجز، ولقد قرأنا في قصص الأنبياء والصالحين تلك المعالم الرفيعة للخصال الحميدة والسجايا العظيمة، فكان موسى كليم الله، وعيسى روح الله جاء بكلمة منه، ومحمد «صلى الله عليه وسلم» أحسن الناس خلقاً وخلقاً. وعلى خط متصل استقرأ البشر عوالم الأنثى ضمن متوالية العلاقة التكاملية مع الرجل، وشاهد علماء الجينات والأنواع ما تتميز به المرأة من خصال مبثوثة في تكوينها الخاص، فالمرأة ترميز كامل لمعنى الوجود ودلالاته، ولهذا السبب ليس غريباً أن تكون الأنثى تميمة الخلق الجنيني الموصول بالدائرة المكتملة للبويضة .. تلك الدائرة المشابهة للسيتوبلازم والبروتوبلازم المشهودة أيضاً في «الأمبيا»، والدالة على الانقسام الأول للحيوات البيولوجية. لقد رأى علماء الأحياء بعدسات مجاهرهم كيف أن بويضة المرأة تفسح المجال لدخول الحيوان المنوي حتى يتم التلاقح بين المستويين، ويبدأ الانقسام البسيط الذي يتلوه مراحل ومراحل حتى يخرج الكائن بأبهى صورة وأكملها . الإشارة هنا تطال معنى أن تكون المرأة حاضناً، وأن تكون كالأرض في تحملها وصبرها واختزانها للجواهر والمكنونات، وأن تكون مكتملة في أفق اتصالها بالنفس الواحدة التي خلقها الله، وخلق منها زوجها بعد ذلك . ومن لطائف المعلومات التي ترد تباعاً حول كينونة المرأة وخصالها أنها تجمع في دماغها فصيّن متوازيين، وهذان الفصّان يمثلان ثنائيات الوجود كالعقل والعاطفة، وكالحذر والشجاعة، وغيرها من ثنائيات تكشف تلك القدرة العجيبة على المرونة في التعامل مع المستجدات والمفاجآت غير المتوقعة. يقولون: إن الرجل يفكر بطريقة واحدة، ويرى الأشياء بعدسات موحدة ووحيدة، فيما تتميز المرأة بالنظر إلى الأحوال والمتغيرات ضمن إطار ثنائي يسمح لها بكثير من المناورة، والتقاط تلك الأبعاد التي لا يراها الرجل، والشاهد أن أموراً بسعة التربية الدقيقة للأطفال، والعناية بشؤون المنزل التي تبدو عند الرجل مملة وتفصيلية .. أموراً من هذا النوع تستطيع المرأة إنجازها بكفاءة واستمتاع حقيقيين، ولولا هذه القدرة لما استقامت الأحوال، واكتملت الأدوار . أودع الله في خلقه أسراراً وجعل من الواحد اثنين, ومن القلة كثرة، وكان للجمع حضور في عين الفرق، وللتنوع خصوصيات في إطار الصور المتعددة، والأحوال المتقلبة، وبهذا جاءت رسالات السماء تعبيراً عن هذه الحقيقة الأزلية، لتضعنا في مثابة الاعتراف بالحكمة، والتصديق على نواميسها، وصولاً إلى جبرية الانتماء للفطرة السليمة، ومن جافى ذلك سيجد نفسه مرجوماً مدحوراً تائهاً في خرائب سلوكه الأرعن.