ليس غريباً أن يلقي شبح الحالة الاقتصادية ظله بقوة على المشاكل التي يعانيها الشباب.. وهو ما رصدته ورقة عن رؤية الشباب لمشاكل المجتمع اليمني حيث كانت البطالة هي المشكلة الأولى، والقضاء على البطالة هو الأمنية الأولى. ورصدت الدراسة أن المشكلة الاقتصادية كانت تظهر حتى في حالة السؤال عن المشاكل غير الاقتصادية, فعندما سئل الشباب عن مشاكلهم مع المواصلات قالوا إنها ارتفاع سعر المواصلات.. وعندما سئلوا عن مشاكل السكن أجابوا: إنها ارتفاع تكلفة السكن, أما مشكلة التعليم فكانت ارتفاع مصاريف التعليم.. وهكذا.. نفس الأمر مع الصحة والغذاء والعمل. وتشير الدراسة التي قام بها مركز جهود للدراسات والدعم الاجتماعي خلال الأشهر المنصرمة إلى أنه حتى الدراسات التي أجريت على الشباب المثقف أوضحت أن المشكلة الأولى لديهم كانت «البحث عن لقمة العيش» ولاحظت الدراسة أن الشباب ليس لديهم رغبة في التعبير عن مشكلاتهم في المجالات الخاصة.. ربما يأساً أو حرجاً.. وإن كانت الدراسة تؤكد أن ارتفاع الإحساس بمشكلة البطالة بين الشباب من الجنسين حوالي35 % قالوا إنها مشكلتهم الأولى وعلى المستوى الشخصي.. وارتفاع نسبة الإحساس بالبطالة أدى إلى الإحساس بين الشباب أن كل مشاكلهم سوف تحل إذا تمكنوا من حل مشكلة البطالة.. بينما هناك احتمال آخر وهو أن الآثار النفسية التي تنتج عن البطالة جعلت الشباب يمتنعون عن ذكر بقية المشكلات .. حيث يشير أخصائي نفسي استعان به المركز«مركز جهود» إلى خمسة آثار نفسية للبطالة منها: الإرهاق الناتج من الشعور بالسأم والملل والتقدم تدريجياً نحو تبلد الشعور وفقدان الأمل والشعور بالهوان وتضاؤل قيمة الشخص في نظر نفسه وزحف المزيد من الشعور بالاكتئاب!! على أن هذا ليس هو التفسير الوحيد ،فقد قالت الدراسة: إن بعض الشباب من الحرفيين لم يكونوا يفهمون كلمة مشكلة ويتخيلون أن المشكلة هي الفضيحة أو الكارثة فيسارعون إلى نفي معاناتهم من أية مشكلة.. ولعل هذا ما دفع الكثيرين منهم للقول بأنهم لايعانون أية مشكلة على الإطلاق, ولعل أقسى وأطرف ما سجلته الدراسة هو أن الباحث سأل فتاة: هل أنت راضية عن نفسك؟؟ فأجابته: يعني أيش نفسي.. ولعل الإجابة ذات دلالة وأن هذه الشابة ليست الوحيدة بين أبناء جيلها التي تسأل يعني أيش نفسي؟؟ الخلاصة أن معظم الشباب يرون أن مشكلة البطالة هي أهم وأخطر مشكلات المجتمع.. فضلاً عن أنهم يعانونها على المستوى الشخصي، وتفترض الدراسة أن استفحال تلك المشكلة وآثارها عليهم قد أدى إلى حالة من السأم والملل والاكتئاب والسلبية ربما أثرت وستؤثر على جميع مجالات حياتهم.. وأن حل هذه المشكلة ربما يؤدي إلى حل مشكلات أخرى.. بل معظمها..!! بلا شك إن الأمور كلها ذات علاقة ببعضها البعض وأن الظواهر السلبية تنتمي لبعضها بصلة قرابة وطيدة.. فالبطالة هي الشقيقة الكبرى للسلبية السياسية والانصراف عن المشاركة والمتابعة للشأن العام.. والانخراط في سلوكيات العنف السياسي والاجتماعي والتخريب الذي تشهده بعض محافظات البلاد. ولأن البطالة شأن عربي بامتياز وليس يمنياً فحسب فإن تداعياتها خطيرة كما في بعض البلدان العربية التي تتعامل وسائلها الإعلامية ومراكزها البحثية مع قضية مثل الزواج العرفي على سبيل المثال كواحدة من التداعيات الخطيرة لمشكلة البطالة على أنها مشكلة في حين يتعامل معها الشباب على أنها حل؟! وقد رأت دراسة مماثلة جرت في بلد عربي قبل فترة أن مشكلة الزواج العرفي السري بين طلبة الجامعة تستمد أهميتها من كونها واحدة من الإفرازات السلبية التي طرأت على المجتمع في الفترة الأخيرة.. وقالت الدراسة :إن الشباب الذين يقدمون على تعاطي المخدرات والعنف والزواج العرفي غالباً ما يعانون عدم وجود هدف إيجابي واضح يتجهون إليه.. بالإضافة إلى أنهم يعانون صعوبة إشباع الحاجات الأساسية التي تفرضها المرحلة العمرية التي يمرون بها. وإذا كانت الدراسة قد رصدت عدداً من المشاكل التي ترتبت على الزواج العرفي فإنها لم ترصد المشاكل التي يمكن أن تحدث لو لم يقدم الشاب على الزواج العرفي وبقي عازباً للأبد! على أن هذا لا ينفي أن مشاكل مثل:تضرر سمعة الفتاة ومخاطر الحمل خارج نطاق المؤسسة الاجتماعية ومشكلة إثبات النسب إضافة إلى ما يمكن أن ينتج عنه موقف الشاب الذي يتزوج ثم يكتشف أن زوجته قد سبق لها الزواج العرفي..الخ هذه المشكلات. إنها البطالة في كل الأحوال ولا شيء غيرها.. أهم وأخطر مشكلات المجتمع.. وكما يقال فإن الكرة تبقى دائماً في ملعب الحكومات العربي التي لا تلقي بالاً كافياً لهذه الآفة الخطيرة.. رسائل S.M.S : ملحق (الإنسان) الذي تصدره مؤسسة «الجمهورية» يولي اهتماماً زائداً بقضايا القتل والحوادث والجرائم.. فضلاً عن السرقات والاغتصابات وهلم جراً.. ليتنا نجد في هذا الملحق ما يليق بإنسانية الإنسان تجاه قضايا الحقوق والتنمية.. ومحاولة عرض تجارب حياتية تعلي من شأن الإرادة.. وعرض نماذج إنسانية اختارت طريق النجاح لتكون مثلاً وقدوة يمكن الاحتذاء بها..مع الاعتراف بالجهود الخارقة التي يبذلها الزميل خالد راوح «مشرف الملحق» بعد أن وصل به حد إعجاب القراء. كثيرون يعيشون وهم يستحقون الموت.. وكثيرون يموتون وهم يستحقون الحياة. عندما نذهب إلى الحب فنحن لا نحتاج إلى درع.. ولكن نحتاج إلى ذريعة جميلة.