إن الله عادل يحب العدل وأمر به عباده وحرم الظلم على نفسه ، وجعله محرماً بين الناس فكيف إذا كان الأمر يتعلق بعدل الأباء مع الأبناء ، فالعدل بين الأبناء يندرج تحت منظومة متكاملة من المساواة المادية و المعنوية بينهم تشمل العطية و الهبة وإظهار المودة و المحبة و حسن الإصغاء و الاهتمام و لكن أحياناً تضطرب موازين العدل لدى الآباء تجاه أبنائهم مما يخلق العداء بينهم و بين أولادهم . لم استطع أن أجبر قلمي على نحت حروفه من خلال اسطري قبل أن يبدأ بحفر هذه الكلمات عن العدل. مقدماً قلمي اعتذاره لكل قرائه لأن لغته اليوم مكسورة الخاطر و حزينة لما سيحفر في ذاكرتكم عن ذلك الفتى الفتي!! الذي وضع نهاية لذلك الظلم بظلم أكبر لنفسه ولأسرته و لكل من حوله. هذا ماحدث فعلاً!! حيث فشل في إعادة ميزان العدل بين يدي والده ..!! فعجزت الكلمات.. و تناثرت الصور.. عندما تيقن بأن اللقاء بينه وبين والده أصبح محالاً..!! فوصل به الحزن حد اليأس و تضامنت كل مشاعره المتضاربة داخله ضده برغم صغر سنه الذي لم يتجاوز العشرين عاماً..!! حاول ملياً أن يهرب من تلك المشاعر ولكنها أبت إلا أن تتجمع .. وتتصاعد ...و تتأجج فلم يعد يملك إلا أن يستجيب لمطالب نفسه القاصرة ..!! فاستسلام والدته جعله يحكم عليها بالإعدام من أعماق نفسه متجاهلاً مشاعرها الخفية!!! و مغادرة قلبه الصغير إلى الأبد.. و منذ أن غادرت بات صامتاً.. لا نبض يحمل قلبه و لا أنين.. و ما عادت الدنيا تعنيه بشيء، كل الأشياء من حوله ماتت تجمدت الحروف في فمه ما عادت تخرج..!! فقلب والده الظالم (من وجهة نظره ) . شلّ تفكيره فأصبح لا حول له و لا قوه لا يقوى على شيء فكل شيء يمر به رغماً عنه ... طعامه ... شرابه، جلوسه و قيامه ... علاقاته ... أصدقاءه ... دراسته ... حتى علاقته بإخوته وأمه رغماً عنه!!! لا يملك شيئاً في هذه الحياة سوى أن يعدم نفسه !!! هذا الشيء الوحيد الذي لايستطيع أن يرغمه والده على فعله، فتلك الرصاصة التي قرر أن يطلقها في رأسه الصغير و الذي يحمل دماغاً مشلولاً هو قراره بإرادته!!! لذلك أطلق العنان لمشاعره أن تتجمع .. و تتضامن .. وتتكاتف .. و تندفع و تثور..ثم تتبعثر . ولكن هذه المرة من خلال رصاصة و في تلك البقعة التي أحجب بريقها بعد رحيله بستار أليم و كئيب ..!! نفذ حكم الإعدام و كان ضيف الشرف في إسدال هذا الستار هو تلك الأم.. الضعيفة الذي حكم عليها بالإعدام قبل أن يطلق العنان لتلك الرصاصة الصغيرة لتخترق مخه..!!!! ففي ذلك المكان أقام ميزان العدل و ترامى بين يدي والدته!!! ليشعل بذلك الفراغ جمرة لهيب تحرق تلك المسكينة الضعيفة وهي تهتف بصوت لم يصل حتى إلى مسامعها... ابني حبيبي.... ابني حبيبي... دمعها بات يسيل كمداً عليه هائمة بحزنها تائهة بينه وبين والده!!! مضيعة الخطوة حائرة الوجدان لملمت بقايا مخه المتناثرة وهي متأكدة بأن قلبه مازال ينبض فعيناه مفتوحتان ..و هو يبتسم ويخاطبها.. قهرت القيود الآن سأسافر معك في حلم يأخذنا الاثنين بعيداً عن ظلم الظالم ..! تلملم بقاياه وهي متأكدة أن بكاءها و صراخها ماهو إلا أنفاسه الثقيلة الحزينة و هي تخاطبه و تقول له: سنلتقي في حلم آخر مختلف قليلاً بلا دمعة.. بلا ارتعاش من الضلوع.. بلا قيد من السجان.. انهارت بجانبه و تبعثر مخه الصغير للمرة الثانية وأخرجوا الاثنين من ذلك المكان. فما هي بالحية فتبكيه و لا هو بالميت فتأخذ عزاه. مرت أيام بعدها على والدته كانت اللحظات الوحيدة التي تربطها بالدنيا هي صراخها و استغاثتها بكلمة (يا الله) تدوي بها أروقة المستشفى الكل كان حولها بين مفجوع ... ومكلوم ... و مذهول . وغاضب لما حل بهذه الأسرة الصغيرة. إلا هو ذلك الظالم ( بمقاييس ولده الراحل) بحث عنه الكل بعيونهم . وبألسنتهم .و بمشاعرهم. و كان السؤال أين رحل و ترك خلفه كل تلك الضحايا بأي سجن هو موقوف ومتى يبدأ بمحاكمة نفسه كما فعل فلذة كبده . متى يخاطب نفسه خطاب الندم ويرسم خط البداية للهزيمة و تقرع لديه طبول الندم بعد أن تجرأت طبول الظلم و تخطف من حديقته أجمل زهوره . متى تقرع لديه طبول الندم و طبول الظلم سبقت وسرقت منه ولادة حياه لم يعشها مع صغيره....!!! كيف تقرع لديه طبول الندم و طبول الظلم قصفت بذلك المكان في ذلك العالم الذي أسدل صغيره الستار عليه....!!! إيماناً منه إن بعض الدروب تأخذ ولا تعيد. فاصلة : ياكل شيء يجوب في نفسي ... وقلبي ... وعقلي لا تتردد في اتخاذ القرار كي أسجلك بين سطوري وبقلمي ومن خلال ابتسامتي ودمعي !!!