حين يتخلى المرء عن المرونة المطلوبة في التعامل مع الآخرين وأنه بشر يمكن أن يخطئ ويصيب ويجنح إلى العناد والجمود واتخاذ مواقف سلبية متصلبة ويتمادى في التعنت والتشبث بأفكار وأوضاع بعينها رافضاً أن يتماشى مع مبدأ وأساس الحياة بقبول التغيير والتنوع ويتقيد بأحكام عاطفية انفعالية ويبتعد عن التحليل المنطقي العقلاني ويصبح مصاباً بالتبلد الحسي فاقداً الإحساس بالآخرين، ويعطي لنفسه الحق بأن يكون القاضي ويصدر حكماً بإعدام الرأي الآخر دون أن يترك للعقل أية فرصة للتفكير ما يؤدي إلى تأزم علاقاته مع الآخرين ويتهم كل من يخالفه في الرأي والقناعات بالضلال أو الجهل أو الكفر ويلجأ إلى العنف معهم لأتفه الأسباب كوسيلة لتطبيق قناعاته على أرض الواقع . التعصب هو سلوك مكتسب من الأسرة والبيئة حيث ينشأ المتعصب في أجواء تعاني مشكلات نفسية أو اجتماعية ترفض التنوع والتعدد الفكري والعرقي والثقافي وتؤمن بأحادية الرأي والاتجاه حتى النفس الأخير، ومهما كانت النتائج، ويقف المتعصب في حالة تحيز وميل عاطفي أعمى لمبدأ أو رأي أو فئة أو معتقد أو شخص أو جماعة، ونهجه في الحياة ( أنا دائماً على حق ) فلا يقبل المختلف عنه في الرأي حتى وإن كان ينتمي لنفس العقيدة والعرق اعتقاداً منه أن المرونة والقبول والتعايش مع الغير ينطوي على ضعف وتخبط وانسياق وراء الآخرين، ناهيك على أن المتعصب يتصف بالانفعال الشديد والتوتر الدائم ما يفقده القدرة على اختيار الموقف السليم، فيكون سبباً في نشر الكراهية والحقد والبغضاء بين الناس وزرع الرعب في أوساط الآمنين وإلحاق الضرر بمصلحة الوطن . والتعصب الديني الذي بدأ يؤتي ثماره المرة في مجتمعنا هو أخطر أنواع التعصبات، ففي ظل الهيمنة الدينية تتقوى بقية أنواع التعصب، ويصبح التدين المغشوش قيداً وسلاحاً في وجه الآخرين ومعولاً للهدم والتدمير والقتل، حيث تستغل النواحي العاطفية التي يحتل الدين حيزاً كبيراً منها، ويغرس في عقول وقلوب الشباب فكر ديني مشبع بمواقف انفعالية تلعب الأسرة والمدرسة والجامعة والإعلام دوراً هاماً في الإبقاء على الفكر المتشدد مع إضفاء صفة القداسة والتبعية والانصياع لشيوخ دين يوظفون النصوص الدينية بحسب منظورهم الخاص لخدمة وتزكية مواقفهم واتجاههم الأحادية, ويكنون العداء لأي تأويل ديني مغاير لهم, ويجعلون من الدين احتكاراً, ويمنحون أنفسهم صفة الشرعية, ويمارسون العنف في زرع أفكارهم داخل المجتمعات, ويلجأون إلى تشكيل جماعات إرهابية، داعين إلى الفرقة والشتات، وينتهي الأمر بهم إلى القتل والدمار وتشويه صورة الدين. إن التعصب يهدد كيان المجتمع ويدفعه نحو الهاوية ويعيق عملية التقدم والرقي بسبب الانشغال في الصراعات والنعرات الداخلية، ويعتبر التعليم من الوسائل الهامة للقضاء على كل ظواهر التعصب وإيقاظ المشاعر الإيجابية والإنسانية، والإعلام أيضاً يلعب دوراً في مكافحة التعصب ونشر الوعي، كما ولابد من وقفة جادة لإغلاق جميع المنابر التي تسعى لتضليل الآخرين وإفساد الوطن وتدعو إلى الانغلاق والتزمّت وتكفير الآخر . [email protected]