كم نتعلقُ بالنجوم ونحب السماء ونعشق القمر.. كم يستهوينا السحابُ والمطر كم نشعرُ بالفرح أمام قوس قُزح ونذوب ونحن نلتقطُ حبات البرد لنجعل منها عقداً أثيراً على صدورنا... في الحياة الكثير من المباهج يعيشها بعضنا ولايكادُ يراها البعض الآخر عاشت مُرفهة لا تستيقظ إلاَّ على رائحة القهوة القريبة من فراشها لا تنهض إلاَّ بعد أن تقبل سقف الحجرة بعينيها وهي تطاردُ ذرات النوم المتبقية على أهدابها تمدد جسدها كقطعة الحلوى تتقلب يمنه ويسره كما تقلب قطع الجاتو داخل بحر من الشوكولا .. ثم تلهو بشعرها قليلاً وتقفز من سريرها كقطعة مدللة لتلعق قهوتها الحلوة بشغف ثم تعطر جسدها بالعود العربي بعد حمامٍ دافئ وترتدي عباءتها وهي تراقب وجهها بعناية أمام المرآة ليست من أقاصي الشمال ولا تقطنُ بلاد الحرير وماهي من ذوات المذاق الحار إنها امرأة من الجنوب امرأة من هذا الوطن لملمت جراحها بعد أن غادرت إحدى البلدان الأوروبية عائدة إلى الوطن بعد سنوات دراسية طويلة عرفت خلالها الكثير وتطبعت بالكثير .. حتى أصبحت الأكسبريسو إفطارها الصباحي على أنغام الفلامنجو ورشات العطر الأخاذة التي يقدسها الأوربيون.. تقود عربتها بهدوء وهي تستمتع برائحة البحر حتى تصل إلى مقر عملها حيث يراها الجميع سيدة من طرز فريد جمعت جمال الهيئة ورجاحة العقل وعبث الأنثى الذي يختبئ في أحشائها كجنين ما حان له بعد أن يغادر ضيق الرحم إلى سعة الرحمن.. تعمل بحهد وصمت ولا تعطي للكثيرين ممن حاولوا الاقتراب من أسوارها فرصة للتسلق إلى عرش قلبها بعد أن أحبت هناك رجلاً من الوطن كان يكمل دراساته العليا ،ولكن كان لديه زوجة وأبناء ينتظرون عودته هنا وحده سقط ليقع في أحشاء قلبها ولم تستطع أن تخرجه أبداً،فللحب أحكام وشرائع وسنن لابد لنا في تغييرها أو الحكم عليها بالفناء.. هي أوروبية الشكل والمنطق والعادات وهو رجل من أقصى جبال الشمال يقدس ربة البيت الطاهية ويشتاق رائحة الطعام البلدي ويهوى امرأة مخبوءة تحت عباءته لا يراها أحد بينما لم تكن هي كذلك أبداً ،لكنه أخطاء حين أعطاها فرصة كبيرة للتعلق به وبناء جسور من الأمل بالوصول إليه،كان يتلذذ بذلك الوهم الذي نسجته حولها يستمتع بها “فكرياً” حتى يأتي أوان العودة إلى الوطن وقبل أن يعود بأيام لم يترك لها إلاَّ رسالة صغيرة كتب فيها “كنتِ لي نعم الزميلة” هكذا هم الرجال حين تكون المرأة في منتصف الطريق إليهم يقطعون حبال الود فتتهاوى النساء على أرض الحسرة كما تتهاوى أجنحة النمل البري في فصل الربيع.. وعاد إلى الوطن ليعيش حياته بسلام ويصبح محاضراً في إحدى الجامعات الحكومية ووصياً على أموال والده التي تركها بين يديه.. وتعود هي بشهادة جامعية رفيعة وشخصية مكتسبة لاتكاد تعرف ملامحها.. وقلباً محطماً لاتملك الوسيلة لإصلاح خلله وتحسين معالمه تغرق في عملها بعمق ولاتصعد على السطح إلا لتتنفس فقط.. ثم تعود لتعوم من جديد حين تذهب لتناول الغداء مع صديقة لها في زاوية خاصة تحبها في ذلك المطعم المطل على البحر تتأمل الجالسين هنا وهناك الرجال والنساء والأطفال..ويحترق جوفها وهي تكرع الماء المثلج بين شفتيها لعلها تنطفئ تلك النيران التي خلفها رجل لايهوى النساء إلا بعينيه فقط.. لماذا لم يغلق أبوابه في وجهي منذ أول يوم عرفته؟! تسأل صديقتها بإنكسار وكأن صديقتها كانت تعيش في قلبه أو تستوطن عقله.. “شوفي حياتك” عبارة كررها الناس حولها كثيراً ولكنها لم تستطع إخراج ذلك الرجل المتسربل بالعبث من قلبها.. وتمضي الأيام لتأتي أيام وهي لاتكف عن التفكير به بعد سنوات طوال.. وبعد خيانةٍ منه حتى بعد أن رضخت للزواج منه بالرغم من كونه زوج وأب لثلاثة أبناء.. أوهمها أن زوجته ليست على قدر كبير من التعليم وأنها متوسطة الجمال وأن كل مايميزها هوسها بالمطبخ وأناقة البيت والأطفال.. شعرت أنه وجد ضالته فيها.. وأشعرها هو بذلك أكثر وفي أوروبا يتحرر الناس من الكبت ويبدون كما لو أنهم ليسوا شرقيين من ؟؟ مساحاتهم إلى أقصاها.. وبدأت هي تنسج في خيالها ثوب العروس وطرحتها ليلة الزفاف ترتيبات شهر العسل بينما كان يتسلى بها ويترك في إمعاته مساحة كافية لأطباق أم العيال!!! النساء لايقعن بسرعة كما يقع الرجال لكنهن عندما يقعن يعطين كل شيء بعكس الرجل الذي لايعطي إلا وهو يعلم أنه سيأخذ أضعاف ما أعطى!!! هذه حقيقة وليست وهماً.. النساء لايتربصن بأنفسهن صبراً حين يجدن الرجل المناسب.. لأنه لارجل مناسب أبداً فمن ذا الذي سيأتي من الرجال ليصون عفاف النساء ويخشى عليهن نوائب الدهر وبنات الأيام؟!! من من الرجال يحب حين يحب دون أهداف أو غايات أو نزوات؟!! هل يحب الرجال كما تحب الأمهات؟!! وحين تحب النساء تصبح قلوبهن منازل وشفاههن شرفات.. وأيديهن أغصان وصدورهن دوحات وفئ وضلال.. الحب يجعل من قلوبنا أرضاً ملساء ناعمة فأحذروا أن تنزلقوا عليها حتى لاتقعوا في شراكة.. هكذا وقعت هي لسنواتٍ طوال.. وما أكبر صبر النساء حين يعشقن لايفتحن قلوبهن للحب أبداً أبداً.. ليس لأن الحب حكرٌ للحبيب الأول كما يقولون بل هو حكر على قلوب لاتتسع لأكثر من شخص وأجساد لاتوهب إلا لمن يسكن تلك القلوب أنه الوفاء الذي لايعلمه الرجال حتى يكاد يكون سراً لاتعلمه إلا النساء.. اليوم وبعد ثلاثون عاماً عاشتها امرأة.. ماعساي أقول ثلاثون عاماً من الانتظار.. الأمل.. الوفاء.. الصبر.. لاتجد متعة إلا في التسوق لأطفال الحي.. الأقرباء جداً منها واحتساء القهوة على شاطئ البحر لازالت ملامحها جميلة.. هادئة.. لاتزال ترفل بالروائح الزكية لايزال شعرها ثائراً وعيناها مشعتان.. ويديها غارقتان في زينة بديعة.. كل شيء فيها جميل مثل صبرها الجميل ووفائها الأجمل امرأة تجمع بين النعومة الأوروبية ونمنمة التراث اليمني.. بين قوة البحر وهدوء النهر بين بساطة الرمل وصعوبة الجبال بين حرارة الجمر وبرودة الرماد يا الله ما أسوأ أن يكون الحب والحنان والإحسان والمعروف مختزل في معدة رجل! هل تحصل المرأة على حبٍ أكبر إذا طهت أفضل؟!! حتى الطاهيات الجيدات تركن غثاء الرجال واكتفين ببعض الذكريات.. أحذروا أن تعلقوا على شماعة الأحلام كل رغباتكم أو تهرولون بعنفٍ خلف أوهامكم.. أو تصدقون العابثين ببعضكم حين رأته في ذلك اليوم يحتضن أبناً شاباً على شاطئ البحر.. لم تكن لتعرفه لولا أن دلها قلبها عليه كانت في رحلة إلى عدن والعيد يلون كل شيء حولنا بالرغبة في الحب اقتربت فقط لتقرأ على وجهه رسائل الزمن فقط ليشعر أن خيانته لم تحطمها.. ولن تتحطم فقط ليرى أن لاشيء في الحياة يدعو للندم وقفت تنظر إليه بكل قوة لم تخنها جوارحها لم يهزها صبرها.. لم تنكسر أمامه أبداً.. حين هم أن يقترب أول خطوةٍ منها تركته وأدارت ظهرها للماضي.. كان يتفحص خطواتها تتطاير الذكريات أمامه كالشرر.. يحلق في سماء أيامه كطائرٍ جريح لكن لاتعود الأيام إلى الوراء أبداً.. كانت قد أطفأت شمعته ونسيت عبثه.. وتجاهلت أمر قلبها إذ يغدو المرء منها قانعاً زاهداً في كل شيء حين يتعلق الأمر بقلبه حين تنكسر شوكته.. حين يغدو مثل كوخ قديم معلق على سفح جبل لايعبر النهر ولايطال السحاب هكذا هي قلوبنا تشيخ كما تشيخ رغباتنا.. وتشيب كما تشيب رؤوسنا وتموت كما تموت أرواحنا.