لا أود هنا الوقوف على إنجازات الإعلامي والشاعر الجزائري «عياش يحياوي» المرتبطة بالتراث ، وترميزاً التراث الإماراتي الذي أولاه عناية استثنائية،حتى أصبحت مقارباته العاشقة لبيئة الإمارات ومورثاتها يُشار لها بالبنان، بل أعرج قليلاً على آخر كتاباته الشعرية التي استلمتها قبل حين، فإذا بها تجوال في معاني الصحراء ودلالتها ، فالكتاب ديوان صغير يستقيم في أساس العمود والقافية الشعرية، ويتداعى مع البيان والبديع العربيين التاريخيين الراكزين في تضاعيف الذاكرة وتداعياتها، وينبري الشاعر للمعطى منذ البداية لنرى صورته السائرة على الغلاف، وعند بُعد الأفق الثالث قافلة النوق العربية الأصيلة، ويتعمّد المؤلف استخدام اللون الرمادي الباهت والموشى بخضرة متوارية في إشارة بصرية دالة على استعادة الماضي بتضاريسه ومعانيه، وهذا ما نراه مباشرة منذ القصيدة الأولى التي تُدشن ميلاد «ديوان تباريح بدوي متجول»، لينال الديوان حظاً واسعاً من الاسم، ويتطابق الدال بالمدلول . في عتبة الديوان المفتاحية كمفتاح «صول» الموسيقي تتحدث سيدة إماراتية إلى الشاعر بصوت «يحمل حنان الأم والجدة»، ولنا أن نتقرّى هنا ما وراء حنان الأم والجدة .. ثم يقول الصوت : «خبروني أنك جزائري .. والنعم ، لكن أنت منا». ها نحن نتوقّف منذ البدء أمام حنين جارف ينتظم في انسياب الديوان وتطوافاته المعنوية الجمالية، فالمكان الصحراوي البدوي يجمع بين ثنائية الصحراء العربية الكبرى في إفريقيا من جهة، ورمال الصحراء العربية الممتدة من الربع الخالي إلى «بدع زايد» وأنحاء أخرى من الإمارات العربية المتحدة من جهة أُخرى، وتصبح هذه الثنائية المكانية الشاملة في أكبر امتدادين صحراويين عربيين مثابة للتنوع والتعدد، ويكتسي المكان هنا تمائم سحرية لتنويعات تشمل الأرض والإنسان والزمان، بل الدهر في ثباته وتحوله وما يتجاوز الثبات والتحول، فدهر الإبداع لا علاقة له بالوصفة «الزمكانية» المتعارف عليها نقدياً، بل إنه نسيج من خليط يتروْحن باللانهائي المُتطيّر.