الباحث الدكتور اليماني عبد الحكيم الزبيدي ليس مهجوساً بالرائي الكاتب والمسرحي والشاعر علي أحمد باكثير فقط، بل إنه يصل الهاجس بمتابعة وعناية دائمتين بموروث الراحل الكبير الذي لم ينل حظاً وافراً من الاهتمام قياساً بموروثه الثقافي الشامل، فالمعروف أن علي أحمد باكثير جمع الخصال الثقافية ووعاها، وسبح في مياه المعاني وأوفاها حقها، فهو الشاعر الذي تاق منذ زمن مبكر على تأكيد مثابة العربية بوصفها لغة شعر وشعور، وقد ضاهى في ذلك أساتذته باللغة الإنجليزية التي درسها على مسار شكسبير، ونال منها حظاً وافراً . لم يعاند باكثير أستاذ اللغة الانجليزية المتأدب، لكنه فيما كتب شعراً خارج القافية كان كمن يُدشّن عهداً جديداً في الشعر العربي، فجاءت المبارزة لصالح فتح جديد، وبيان عربي مًتجدد . تلك محطة الشعر عند باكثير الذي ترك لنا فيها قصائد كثيرة وحباها فضاءات للمناسبات والقريض والرثاء. في أفق آخر سنتابع مع الباحث الدكتور الزبيدي فضاءات باكثير المسرحية من خلال تناوله سلسلة من أعماله المسرحية التي تواترت على مدى سنين العطاء، وأومأت إلى حضوره الأفقي والرأسي في الدراما المسرحية العربية والانسانية، وفاضت بمرئياته التاريخية الراكزة ، وتساوقت مع حكمة السماء وحقائق الأرض، من خلال استقراء التحديات التي تواجه الأمة، فكانت أعماله ناظرة إلى القادم المداهم مما عانته المنطقة على مدى عقود من سنوات المتاهات والاستباحات والظلم . الدراما التاريخية عند باكثير تحتل مكانة متميزة في ملحمته الفنية الثقافية، وكانت ذروة العطاء ملحمته الكبرى عن الخليفة الراشدي عمر بن الخطاب .. تلك الملحمة الفنية التي سطرها لتمتد على مدى سلسلة طويلة من الحلقات التلفزيونية التي تجاوزت المائة حلقة، وكأنه يستشرف ما سيكون عليه حال الدراما التلفزيونية بعد عقود من الزمن، مما يؤشر إلى نزعته المستقبلية العاتية، واستباقه للمراحل، واستشعاره الداخلي بأن الممنوع في زمن ما، سيأتي عليه زمن ابداعي يتجاوز لاءات الواقع وتضاريس صعوباته . اليوم يمكننا التفكير جدياً في إجلاء ملحمة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، وتعميمها على ملايين العرب ليروا ما كان من أمر الخلافة عندما كشفت فتوة الرائين الحاذقين المتيقنين من دورهم الحضاري . وقفة الدكتور الزبيدي أمام المسرح تقاطعت ضمناً مع بواكير الدراماتورجيا الذي سنومئ لاحقاً إلى أبعادها في الرواية والقص، وبما يكشف صلته العميقة بالثقافة البصرية بوصفها رافعة أخرى من روافع السرد وجمالياته.