بالعودة إلى دراسة الفكر الفلسفي لمفهوم الحرية لدى المفكر في العصور القديمة والحديثة ,لم نجد فكراً فلسفياً نظر للحرية بأنها مطلقة وخالية من القيود ,بل وجد بعض المفكرين يقيدون الحرية بقيود يمكن أن نطلق عليها القيود الذهبية ,لأنها تهذب وتشذب الحرية وتجعلها في حدودها الطبيعية. ومن تلك القيود الدستور باعتباره يحقق الرغبة الكلية التي تتجاوز الإرادة والرغبة الفردية ,مفكرو مرحلة العقد الاجتماعي رأوا أن حدود الحرية تنتهي عند بنود العقد الاجتماعي ,وبذلك لايجوز بأي حال من الأحوال التعدي على نصوص العقد الاجتماعي ,واعتبروا التعدي على ذلك العقد خروجاً على اجماع الأمة وتحدياً للإرادة الكلية,وينبغي إنزال أقصى درجات العقوبة على من يتجاوز الإرادة الكلية لأن مصلحة الجماعة مقدمة في الفكر الإنساني على مصلحة الفرد ,ولذلك نجد المجتمعات الغربية والشرقية تحترم هذه المبادىء وتصونها. ولئن كانت المجتمعات الغربية والشرقية تحترم تلك المبادىء ولاتتعدى على حدودها,فإنه من باب أولى أن يحترم المجتمع العربي المسلم مبادىء الحرية ويعرف حدودها ,لأن الشرع الإسلامي قد حدد المفهوم العملي للحرية وعرفها الفكر الإسلامي بأن الحرية هي: فطرة الله التي فطر الناس عليها ,ولهذه الفطرة مقتضيات ,ومنها الإيمان المطلق بالإرادة الإلهية التي تتطلب الالتزام بالعدل في القول والفعل وعدم الاعتداء على الآخرين أو الاساءة إلى اعراضهم ودمائهم وأموالهم ,وتلك حدود الحرية التي جاء الإسلام الحنيف ليضع القيود الذهبية المنظمة والمهذبة للحرية ,فهل أدركت الصحافة المعاصرة وكافة وسائل الإعلام هذا المفهوم؟ وهل عكست ذلك في أقوالها وكرست جهودها من أجل المحبة والسلام؟ أم أنها تمرّدت على الثوابت الإلهية وسعت إلى بث ثقافة الحقد والكراهية وتجاوزت حدود الحرية؟ وهل ادرك الصحفيون هذه المعاني والدلالات الإنسانية والدينية لمفهوم الحرية؟ أم أنهم جعلوا من اقلامهم سهاماً وخناجر شديدة السمية للنيل من الآخرين دون احترام لمبادىء ديننا الإسلامي الحنيف الذي شدد على أهمية الحرية والحفاظ عليها ووضع حدوداً وضوابط لايجوز تجاوزها؟ ولذلك فإن على الصحافة والإعلام وروادهما أن يراجعوا أنفسهم ويتقوا الله في أوطانهم ويعطوا الحرية حقها من الاحترام ,وقد حان الوقت لمراجعة النفس بإذن الله.