إن منطلق الحرية هو الفطرة التي خلق الله الإنسان عليها, وهي الإيمان المطلق بالله رب العالمين والتزام أوامره واجتناب نواهيه, بمعنى أن الحرية الفطرية تلتزم بالقيود الذهبية الربانية التي هذIبت الحرية وجعلت لها حدوداً لا ينبغي تجاوزها, ومن هنا ينطلق فهمنا للحرية التي تنتهي عندما تبدأ حرية الآخرين, والمعنى الكلي لمفهوم الحرية هو القيم والأخلاق والمبادئ والسمو والرفعة واحترام الآخر. إن الأزمة السياسية الراهنة في بلادنا اليمن أظهرت فهماً غوغائياً للحرية لدى البعض من الذين سيطرت عليهم التعبئة الفكرية الخاطئة, وأصبح ذلك البعض المغرر به لا يعترف بوجود أحد غيره في الحياة ولم يعد للدين والدستور والقانون وكل الثوابت الوطنية والإنسانية قدر لديه, وباتت الغاية لديه تبرر الوسيلة, ولأن الغاية تضحية تخدم المصالح الخاصة ولا علاقة لها بالنفع العام فإن الوسيلة عدوانية لا تعترف بالمثل والأخلاق الدينية والوطنية والإنسانية, ومادام الأمر كذلك فإن أصحاب الغاية النفعية الخاصة لا يمكن أن يكونوا مقبولين لدى الإرادة الكلية للناس كافة التي تذوب فيها المصالح الخاصة وتسمو المصلحة الكلية للناس كافة. إن اليمنيين منذ فجر التاريخ البشري دعاة حرية تلتزم بالفطرة الإلهية وقيودها الذهبية ولا يقبلون بغير ذلك, وقد قدّم الفكر السياسي اليمني نماذج من صنّاع الحضارة الإنسانية التي كانت منارة للحرية الإنسانية, ولذلك ينبغي على الذين يسيرون في طريق الوهم أن يعودوا إلى جوهر الحرية التي جاء الإسلام الحنيف ليشذبها ويهذبها, والتي انسجم معها الفكر الإنساني السليم. إننا اليوم بحاجة إلى إعادة النظر في المفاهيم المستخدمة لكي نجنب البلاد والعباد المآسي الناجمة عن الفهم الخاطئ لتلك المفاهيم, ولا يجوز السكوت على من يحاول تدمير الدين والوطن تحت مظلة الفهم الخاطئ للحرية, وينبغي العمل على وحدة الفكر بروح المسئولية بإذن الله.