هكذا أصبحت الحياة التي نعيشها وهكذا أمست معها المفاهيم العصرية الممزوجة بأفكار العجائز والقدماء التي لم يستطع معها الجيل الجديد من إنارتها عوضا عن محوها لعدم وجود مكان لهم فأولئك يكتظون ويملئون بأنفسهم كل فراغ لتشبع معهم كل الأفكار وتبقى كما هي في نفس النمط الباهت فمتى يموتون لتموت معهم أم أنها ستبقى هاجسا لاذعا كخيال لا يفارق أيدلوجية هذا أو ذلك الحزب إلى الأبد.. إما أن يسموك حرا أو متناقضا تملك وجهين عندما تذكر الحقيقة دون حياد فتشيد بالحكومة متى كان ذلك وتنتقد المعارضة عند ظهور بوادر الاهتمام بالمصالح الخاصة قبل كل شيء، أو مطبلا أو فاسقا فاجرا ضالا عن الطريق المستقيم تتملق للحكومة وتآزر الفاسدين وتأكل لحم الغلابة بكلماتك السيئة النية قبل المظهر.. لا مجال آخر لتغوص فيه جفت كل البحور، لك أن تتناول الحدث بصيغة عجيبة مفهومة لأناس معينين فتشكله وتعجنه وتضع عليه اللبنية ثم تهديه كلوحة فنية أو تمثال مطرز بكل ما يريدونه بكل مفاهيمهم وأهوائهم الوحيدة فهذا وهذه هي معاني الحرية، ومعاني الصحافة الأبية في وطن قل من يفهم فيه العمل لأجل المصلحة العامة والغض عن بعض سفاسف الأمور في بعض المواقف والقضايا لان القضية هنا أو هناك تخدم اغلب الشعب وكل الوطن، فاختلط الحابل بالنابل ولم نعد ندري كيف تقاس المصلحة الوطنية قبل الحزبية، إما أن نمجد للحكومة وننفي كل مساوئها أو نمجد المعارضة لنستطيع أن نبقى أحرارا في نظرهم..
عندما تشحذ قلمك وتَنحته ببراية النور المعروفة لدى بعض الأدبيات والمناهج ثم تبدأ بكتابة السطور وتستقي من ذلك النور فتعلن وتتخيل الأرض أصبحت سوداء كئيبة تحولت بقدرة قادر إلى أشجار يابسة وجذوع مهترئة ظاهرة للعيان وأناس ذابلين ووطن آيل للسقوط وسلطة من الشياطين سلبوا الوطن دمه وماله وروحه سيذهبون إلى الجحيم بتعقيب إنشاء الله، فأنت هنا قلم حر، يصرخ، يضئ الدروب، أنت مجد والمجد أدنى منك، أنت في عليين وستكون مع الشهداء الصالحين في الفردوس الأعلى إنشاء الله..
حالة نفسية غريبة تعتقد بان الآخر شيطان لا يمكن بأي حال من الأحوال أن ينطق بالحق أو يأتي بعمل طاهر ونحن ملائكة أو آلهة لا يمكن أن تُخطئ، وبالتالي يلزمك لتكون بهذا النور في نظر البعض ألا تأتي بذكر شيء من ايجابيات الحكومة لتمدحها فيه !!، إياك أن تقول فخامة الرئيس أو تكمل حفظه الله وإياك إياك...، وإلا فقد بعت نفسك مع قلمك وفكرك للشيطان دخلت كإثم ضمن قائمة سوداء من المغضوب عليهم أو من الضالين..
بينما مدح المعارضة جائز إن لم يكن واجب ومناصرتها أوجب يلزمك إياه قلمك الحر وفكرك المبدع، وعقلك المستنير وأصابعك الذهبية، فأنت زبيرياً آخر، أنت نصير الفقراء والمتسولين والباعة المتجولين، أنت وهبت نفسك للسمو والعلو والرفعة..أنت ترسم الحق فهي – بعض الصحف- حسب مفاهيمهم من تتكلم باسم الطبقة الدنيا من الشعب هي من تتحدث عن هموم الوطن الحقيقية، هي من يهمها من يفترش الطرق والأرصفة ..
ما هذا الهراء؟ !!، وكيف تتشكل هذه الحرية التي نظن أننا نجاهد لأجلها وندعو لها؟!.. ذكرت عندها إمام المسجد الذي بجانبنا وهو يلقي خطبة الجمعة فيقول نحن لسنا مثل الغرب تنقصنا الكثير من مفاهيم الحرية في الدول العربية كحرية التعبير والكلمة والحقوق العامة ومكمل قائلاً بعد ذكره في البداية لحرية الغرب: فأنا من حقي أن امشي في الشارع دون أن أرى بنتا متبرجة بشعرها، ومن حقي ألا تقع عيناي على أخرى لابسة بنطال، ومن حقي ألا تقع عيناي على أي شيء يسيء إلى نظري!!.. لم استطع منع نفسي عندها من الابتسام فالرجل يعلم بالتأكيد أن هناك نسبة لا باس بها من المسيحيين في هذا البلد حتى لو لم يعترف بالحرية التي ضرب مثالا لها بداية بالغرب، أهكذا هي الحرية في نظرك وهذه هي احترام الحقوق ستحتاج معها إلى مدينة خاصة بك تشكل شوارعها وقوانينها بنفسك..
اتركوا القلم ليترجم نفسه على الصفحات فليس من المعقول أن هذه الحكومة أو تلك عبارة عن غواء لا يستحق ذكره بحسن، لها إيجابياتها ولها سلبياتها قد تكون سلبياتها كثيرة ولكن هناك ايجابيات بالتأكيد فلماذا ننسى ذلك لنصور الدنيا بهذا الشكل، لماذا من يكتب عن الحكومة بفسادها الذي نحن جميعا مجمعون على تجريمه ومحاربته وما سببته من مظاهر مشوهه، ثم يرى بوادر إصلاح فيكتب عن ذلك أيضا يعتبر متملقاً ومتناقضاً..
ثم أنتم يا نصير الباعة المتجولين والفقراء والعمال العاطلين - كما تقولون - ماذا عملتهم لهم ؟؟ ما هي مشاريعكم التي شعر بها هؤلاء الموصوفين بمناصرتكم لهم؟ أين هي المشاريع الخيرية؟ أين هي المستشفيات الخيرية؟ أين هي المراكز المختلفة التي تعنى بقضايا هؤلاء وهمومهم بالرغم من أن البعض منكم من أغنياء اليمن!!.. لا احد يطالبكم بان تهبوهم أموالكم - حتى لا يقولها جاهل فنحن لدينا عقولنا - بل استثمروها وسترجع إليكم بأرباحها ولكنها قد تأخذ وقتا أطول من تلك المشاريع التجارية سريعة الربح وستكونون بهذا قد كسبتم القلوب قبل العقول.. أم أن هؤلاء هم عبارة عن مواد صحفية، عناوين مقالات.. الجائع لن يشبع بمجرد انك قلت انه جائع، ولا العاطل عن العمل سيكتفي بتنظير لا محل له من الإعراب في قاموسه.. انتم تقولون أن الحكومة لم تعمل شيئا خلال 28 عاما بل أصبحنا في حالة بؤس وشقي وفساد لا يعلمه إلا الله، لن نختلف معكم في بعض القضايا، ولكن ماذا فعلتم انتم خلال عشرون عاما؟! فانتم كنتم جزءا من الحكومة خلال فترة قد تتجاوز الستة عشر عاما للبعض، وحتى لو لم يكن كذلك فهل المعارضة تعتبر من المنتظرين للنتائج لتخرج بها فتعلنها علينا بسعادة غامرة يشعرون بها لأن الحكومة فاسدة كما يقولون، دون أن تكون عملت أي شيء لتوضيحه أو فضحه في حينه وقبل ما "يقع الفاس في الراس" كما يقول المثل..
"تعلموا من الشعب" قالها بعض أصحاب الأقلام الحرة، بالفعل الشعب لو رأى شيئا واقعا على الأرض فيه مصلحة له واستشعر بان هناك أناسا يعملون لذلك لكان اختارهم دون أدنى تردد أو شك لأنه سيصبح مؤمناً بقضية وسيناضل لها وسيعطي صوته بكل ثقة وعلية كل احترام، ولكنه هنا لم يرى سوى الوعد والوعيد، الوعد بالخير العظيم إن انتم وصلتم إلى ما تريدون أو الوعيد بمزيد من الفقر والجهل والتخلف إن اختار غيركم..
إطلالة ورؤية.. - تابعت انتخابات بعض البلدان وحضرت الانتخابات الأخيرة في " مصر" رأينا الأخوان المسلمون في أول ظهور كجماعة يتخذ مرشحيها شعارا واحدا "الإسلام هو الحل" على الرغم من علامة اكس الحمراء" جماعة محظورة" وان بدأت تزول عنهم هذه العلامة حديثا بالتدريج، كان أول حضور وظهور بهذا الشكل للإخوان المسلمون ليس كحزب سياسي ولكن كتكتل يقف خلف شعار واحد، ولكنهم فاجئوا الجميع بوجودهم القوي في عقول المواطنين بما يعتبر صعود قوي على الساحة البرلمانية رغم ما حصل من "بلطجة" - كما يسمونها المصريين - حكومية واضحة أيامها.. لماذا؟؟ لأنهم بكل بساطة عملوا ثم قالوا أو قالوا ثم عملوا فشعر المواطن البسيط بأياديهم الحنونة في بعض قضاياه الاجتماعية قبل السياسية، منها في المراكز الطبية الخيرية التابعة لكثير من المساجد والتي تملا العاصمة وفي فتح صندوق لمعدومي الدخل في بعض المناطق لذا كان يعطيهم الناخب صوته وفوقه "قبلة".. لا تقولوا إن الشعب اليمني متخلف لأنكم جزءا من هذا الشعب وبتسميتكم له ينبغي أن تكونوا انتم متخلفين أيضا، ولم تعملوا له شيئا لا لتوعيته ولا لمصالحه، ظهور أخاذ في فترة الانتخابات ثم غياب طويل ونوم هانئ..
- المعارضة كما نشعر ونشاهد في الدول المتحضرة ونقصد بها هنا أمريكا والدول الغربية وحتى عدونا اللدود إسرائيل عندما ترى أن مصلحة الوطن في شيء ما إما أن يساهموا في نجاحه وإكماله بالتنظير، أو يلتزموا الصمت لأنهم يرون أن مصلحة الوطن قبل أي نزاعات وقبل أي شيء وكل شيء وهذا ما شهدناه منهم في سياستهم الخارجية وتعاملهم مع مختلف القضايا التي شهدناها ومصالحهم الاستراتيجية في العديد من المناطق منها الشرق الأوسط، نسمع خلافهم صاخباً، ولكنه يتلاشى بسرعة قياسية عند أول ظهور لما يُسيء للشعب أو الوطن أو في أي تأثير على مصالحهم الوطنية اقتصادية كانت أو سياسية.. نفتقد هذا في المعارضة في بعض الأوطان العربية التي لا تفرق بين مواعيد الهجوم ومراكز الدفاع وهذا من ضمن ما شهدته وتشهده الكثير من الساحات السياسية العربية حتى لقد اكتفى أعدائنا بالتفرج علينا وعلموا أن ما يمكن أن تعمله النزاعات فينا حول المصالح السياسية الخاصة أكبر بكثير مما تستطيع عمله آلاتهم الحربية أو هجومهم المدمر أو حصارهم بمختلف أشكاله الذي اكتشفوا انه لا يزيد الشرخ بل يساعد في سرعة التئامه لنعمل نحن الشروخ بأيدنا داخل الوطن الواحد ونساعد في اتساعها ونتباهى بذلك!! ..
أخيرا.. في اعتقادي.. أن الكاتب الحر هو الذي يتناول الحدث بحيادية تامة فعندما يرى مصلحة وطنه في شيء ما فهو من مناصريه ومنظريه ومتفائليه محاولاً رسم إيجابياته بغض النظر عن أي أمر آخر سيعتبر حقيرا بالتأكيد أمام الوطن، وعندما يرى فسادا ينهش الاقتصاد والوطن يكتب عنه وينتقده ويحاربه بصرامة..هو ليس متناقض ولا متملق ولكنه يكتب دون توجهات مسبقة أو قيود معينة، ودون البقاء في بوتقة واحدة هجوم أو دفاع تقيدك بها جهات معينة، يكتب عن الحسن ويكتب عن السيئ، يتناول الايجابيات فينظر لها ويشيد بمن يتبناها ويتناول السلبيات ويهاجمها مع من يقف خلفها، عندها أظن أن قلمه سيصبح حرا..