ن عود فنلخص القول ونوجز بيانه في نقاط محددة كما يلي : أولاً: الكرامة الآدمية كرامة البشر متحققة وجودياً ومعرفياً بتميزهم خَلْقاً عما دونهم من أحياء وتفضلهم خُلقاً بالعلم والإرادة وكل ما عدا البشر من الأشياء والأحياء ، في الأرض وما تحت الثرى ، وفي السماوات العُلى وفيما بينهما من عناصر وظواهر ، مسخرة لإرادة الإنسان والانتفاع بنعمها التي لا تحصى هذه الكرامة ظاهرة عضوياً ووظيفياً في الجسد الآدمي بجهاز يتكون من السمع والبصر والفؤاد، الذي تفضل به الإنسان عن حيوانيته ليكون به حاملاً لأمانة الاستخلاف ومسئولاً عن عهد الابتلاء . ثانياً: المشيئة الإنسانية وهي حق الكرامة في مسئولية الخليفة عن الأمانة والعهد الإلهي بإرادته المتحررة من سيطرة غير الله عليها بجبروت الإكراه وبغي الاستكبار، إن حرية الناس حق الله في تكريم البشر ، وحاكميته الحاكمة على خَلْقه أجمعين (نحن خلقناهم و شددنا أسرهم وإذا شئنا بدلنا أمثالهم تبديلاً إن هذه تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلاً وما تشاءون إلا إن يشاء الله إن الله كان عليماً حكيماً يدخل من يشاء في رحمته والظالمين أعدلهم عذاباً أليماً) الإنسان الآيات 31-28 ثالثاً : تمام الكرامة بالإكرام التذكير بكرامة الآدمية سبيل الدعوة إلى الحق بالحكمة والموعظة الحسنة تبشيراً وإنذاراً ، وإتمام الكرامة يتحقق بإحياء مقامها المسئول عن علم الإنسان وعمله ، ثم يرفع الإكراه عن تعارف المختلف في البيان والاختيار ، ثم الاستقامة على سبيل السوية بالحق وأمر العدل والإحسان ، وبعبارة أخرى ، يتحدد سبيل الكرامة التامة بالتعلم حقاً للناس ، ثم بحرية التفكير والتعبير والاختيار ثم بإقامة العدل بين حرية الإنسان وتآلف الناس . رابعاً : التسبيح بحمد رب العالمين إن عالم اليوم على شفا جرف هار يتهدد البشرية بالانهيار الحياتي فوق الأرض وتحت سمائها ، والسعي لتجنب هذا المصير يشمل كل الشعوب والأمم المعاصرة باختلاف الألسن والألوان والأديان ، وهذا السعي مفتوح لمن اهتدى إليه بالعلم واستقام عليه بالإيمان ، وصابر في رباطه على العمل الصالح والإحسان ، فإذا قلنا أن هذه مواصفات أمة ورسالة فإن هذا القول يعني ((أمة وسطاً)) تتكون بخيرتها ، إيماناً وإنساناً ، أن الدعوة لإنقاذ العالم دعوة لإنقاذ النفس ، لأن إيثار الغير بالخير يعني كينونة قائمة لهذا الخير في النفس أولاً ، وبعبارة أخرى فإن البشرية عموماً ،والعرب تحديداً ، مدعوون جميعاً إلى إتمام الكرامة الآدمية بمكارم الأخلاق . هذا يعني إحياء الميت منها في النفس بغيث الوحي ، وتنوير ظلمات عمى القلوب بنور البيان في الرسول والكتاب وإجمالاً إحياء الكرامة بروح القرآن ليكون البشر جميعاً على أسوة حسنة بمن كان بشراً مثلهم على خلق عظيم . إن مكارم الأخلاق التي نحددها سبيلاً لإتمام الكرامة الآدمية هي قيم الدين التي تستثني الارتداد عن إنسانيتها إلى أسفل سافلين أو الخسران المبين لأيام حياتها بالإيمان وعمل الصالحات مكاناً في سورة التين ، وزماناً في سورة العصر ، اللذين يتكاملان بالأقوام في هدي القرآن على أجر غير ممنون بالتواصي بالحق والتواصي بالصبر ، وإجمالاً فإن مكارم الأخلاق تنتظم تحت عنوانين كبيرين هما: استعمار الأرض ، وحفظ الحياة والنسل ، وتتشعب في ثلاث شعب هي : حق النفس وحق الغير وحق الأرض ( ويا قوم أوفوا المكيال والميزان بالقسط ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعيثوا في الأرض مفسدين بقية الله خير لكم إن كنتم مؤمنين وما أنا عليكم بحفيظ) هود الآيتان 85 - 86. إن مأزق الحداثة الأوروبية يتعاظم بظلم الشرك وظلمات الكفر والمخرج منه ميسور لمن ذَكَرَ وذكّر بالله الواحد الأحد ، وأنار بصيرة الشكر في الناس ، إن امتهان الكرامة الآدمية يتجسد في عالم اليوم بالإشراك بالله أسماء تفرقت بوحدة الإنسان بين حيوانية ووضعية وغرائزية ونفعية ، قتلت في الفطرة خالقها ، وفي البشر آدميته وإنسانيته ، وهي في الحالة العربية الراهنة على ذات الشرك الخفي الذي فرّق دينه شيعاً وأحزاباً ، وأسقط حق الكرامة في التعلم وحق المشيئة في الاختيار تجبراً على الخَلْق واستكباراً على الحق في حاكميه الله وحكمه ب “لا إكراه في الدين” فتسلط على أكثرية الناس نكران الفضل ، وغياب الشكر والعلم (واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب ما كان لنا أن نشرك بالله من شيء ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون ياصاحبي السجن أأرباب نتفرقون خير أم الله الواحد القهار ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون) الآية 38 - 40سورة يوسف الخاتمة سبيل ودعوة سبيل الارتقاء بالكرامة الآدمية هو سبيل المرسل بالرحمة للعالمين والدعوة هي دعوته إلى التعلم ومكارم الأخلاق ، ولذا ندعو إلى بناء حقوق الإنسان الفردية على ثلاثة أسس هي : الأول : أساس الفطرة وعلى هذا الأساس يبنى حق الحياة الجسدية وحاجتها من المنافع والمعايش لكل الناس على أساس المساواة والقسط وسطاً بين التبذير والتقتير. الثاني : أساس الكرامة وتبنى عليه حقوق الإنسان ، كل إنسان وأي إنسان ، في كرامته الآدمية وحاجاتها من المعارف والعلوم والمنافع النفسية ، وهي حقوق الفهم والتفكير ، التبين والبيان ، الجدل والحوار ، على أساس الحرية والمساواة . الثالث : أساس المشيئة وتبنى عليه حقوق الإنسان في مشيئته وحاجاتها من الإيمان والعمل الصالح والمنافع الروحية بحرية تامة وإرادة مستقلة عن الجبر والإكراه بالسيطرة على الخَلْق والوكالة عن الحق . هذه الأسس يقوم عليها بنيان الحق السياسي المكفول بالحرية الواعية ، وهذا الحق السياسي لحرية الفرد مطلق لا يتقيد إلا بالعلم ، ولما كان الاجتماع البشري هو في النهاية والضرورة والحقيقة اجتماعاً سياسياً أساسه الإنسان الفرد ، فإن أساس قيامه عقد خَلْقي وعقد خُلُقي وعلامة تميزه هي إسمه وهويته ، أي لسانه ودينه ، وهو اجتماع حر بطبيعة أفراده الأحرار، غير أن تقييد المطلق كحق في حرية الجماعة يكون بالعدل . إن الشقاء جهالة الكرامة تجمع بين الجبت والطاغوت على أخلاق السادة والعبيد ، وبينهما وسط لأمة تترقى في ملكوت الأسماء الحسنى بمكارم الأخلاق ، إن العبودية المعاصرة إدعاء بعض الناس أن لهم حق رعاية وسياسة الآخرين كامتياز لا يملكه الناس أنفسهم لذا نقول بأن إتمام الكرامة الآدمية يبدأ الآن بصيحة الحق متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً هذه بداية التخلق بمقام الصادق الأمين المبعوث رحمة للعالمين بالتعليم ومكارم الأخلاق . هذه محاولة لتبين سبيل إتمام الكرامة الآدمية بمكارم الأخلاق ، وهو سبيلُ البصيرة بالأقوام من هدايتها إلى “الإسراء” في السمو الأخلاقي بعد “اقتحام العقبة” في الأرض بلداً أميناً على خلق الإنسان بأحسن تقويم وعلى استثناء الذين آمنوا وعملوا الصالحات من خسران العمر في العصر ( والله يقول الحق و يهدي إلى سواء السبيل) . “ إلهي نسألك يا رحمن يا ذا الجلال والإكرام أن تبعد عنا شراسة الطبع وسوء الخُلق وغلظ اللسان وأن تصرف عنا النفاق والمراء والفسوق والعصيان وأن تهدينا إلى الحق وتحبّب إلينا الخير والإيمان والصدق والعدل والإحسان ، إنك على كل شيء قدير”