ثمة مؤشرات تبشر اليوم، جميعها بإصلاحات عربية، تبلور فكرة موحدة عن الفلسفة السياسية الجديدة في الوعي السياسي العربي. وأصبح السياسي والمفكر والمثقف العربي، ليس بمعزل عن هذه التحولات والمتغيرات في الواقع العربي، بل منغمساً فيها ويتعاطى معها بكثير من الواقعية والفكر التحليلي الموضوعي المنبثق من مبادىء فلسفية قويمة تنطبق على الواقع العربي ومعطياته وثوابته، وكذا تحولاته وتطوراته المستجدة وتطلعاته وآماله وآفاق تطوره. ولعل النزوع الواضح إلى تأكيد اعتبار الشخصية العربية من وجهتيها الروحية والمادية، عنصراً واحداً لا يقبل التجزء، هو ما يتجسد في مباحثات ونتائج القمة الخماسية لقادة الدول العربية في طرابلس المكلفة بإعداد وثيقة تطوير منظومة العمل العربي المشترك في ضوء المبادرة اليمنية لإنشاء اتحاد الدول العربية وتهيئة هذا التكتل للتعاطي مع المتغيرات الإقليمية والعالمية، بكل مظاهر تطورها ورفع كفاءته وقدراته، وكل ذلك من تجليات الفلسفة السياسية العربية الحديثة القائلة بالاعتبارات الواقعية والوجودية التي تُفضي إلى خدمة ومصالح الإنسان العربي ورقيه وازدهاره. ومن هنا يمكن لنا استكناه كيف أصبحت الدول العربية وقادتها تكرس جهودها وبقناعة ثابتة في تطوير العمل العربي المشترك باتجاه الانجاز الوحدوي العربي الكبير المتمثل باتحاد الدول العربية، لذلك فإن موقف السياسي والمثقف ورجال الإعلام والصحافة من حاضر ومستقبل أمتهم ومجراها التاريخي، ومن قضاياها الراهنة، بكثير من الواقعية والمسئولية، بكل ما يمثل هذا الموقف من مسئولية على ما يتطلب من وعي وحكمة وإدراك يجسد في صميمه ومغزاه السياسي وأبعاده الوطنية والقومية مبادىء حضارية منزهة عن النزعات القطرية الضيقة الواقعة تحت خدر الخيال والمثالية والانتماءات الشطرية والتشظوية والتي للأسف تدفع إلى الفوضى والغوغاء عشنا نبتلع ترابها غصباً. الواجب الوطني والقومي يفرض علينا أن نستفيد من تجاربنا الماضية وأخطائنا السياسية والفكرية.. وأمام التحديات القادمة من خارج محيطنا، فإن علينا كسياسيين ومثقفين ورجال إعلام وصحافة، واجب الانخراط في مجتمعاتنا وشعوبنا وملامسة هموم ومشكلات الواقع المعاش، وان ننزل إلى خضم التفاعلات المعتملة في هذا الواقع.. دون التنظير من أبراج عاجية لا تُغني ولا تسمن من جوع بقدر ما تضاعف من المتاعب وتعقيد المشكلات. فالوحدة العربية التي نرفع شعارها اليوم، ليست منبرية أو خطابات خيالية ومثالية.. بل إنها هي الرغيف أولاً.. والحرية جنباً إلى جنب مع الرغيف وهي أرقى من الأشكال السطحية التي يطرحها البعض في صيغة شعارات طنانة وفضفاضة. وهنا فإن المسؤولية تحتم العمل على إيجاد روح التعاون السياسي والتكامل الاجتماعي لرفع مستوى معيشة المواطن العربي، وبما ينتشل الشعوب من الفقر والعوز، وكذا تحصين وعيه وانتمائه، وتأمين حرياته العامة، فذلك هو بعينه الرافعة الحصينة لمسارنا الوحدوي. هذه التحديات تتطلب مزيداً من التصميم والتبصر والواقعية، والفعل المجسد لمضامين نظام فلسفي سياسي شامل للمجتمع العربي العصري.. وهذا يعني بالضرورة إعانة أصحاب القرار في بلداننا العربية على بلورة مضامين مبادئهم وفلسفتهم وخططهم القريبة والبعيدة المدى، التي تخدم تطور بلدان المنطقة وشعوبها، وتدفع بالتنمية في جنبات أوطانها. إن المتغيرات والتحولات الجديدة سواء على مستوى بلد معين أو المستوى العربي الكبير، تفرض التماهي والمشاركة والحراك، وتهزأ من الجهلة المفتونين بالشعارات القطرية والشطرية الضيقة، مثلما تسخر من أي عنصر سلبي في عالم اختلطت مصالحه وهمومه، كل ذرة فيه تُساهم بقوة لتشكل من ذاتها الصغيرة كيانات كبيرة وقوية.