جاء الإسلام وسوق الرق قائمة على قدم وساق ، ولم يكن هذا النظام الاجتماعي قائماً فقط في جزيرة العرب حيث نزل نور الوحي وإنما كان نظاماً عالمياً يبسط نفوذه على العالم كله، فكان العبيد هم الذين يقومون بمعظم الأعمال المتعلقة بمعيشة الناس وحياتهم، فهم الذين يتولون زراعة الأرض ورعي الماشية وأعمال التجارة وكان من الصعوبة بمكان أن يتم التخلص من هذا النظام دفعة واحدة لأن ذلك سيربك كل جوانب الحياة ، فجاء الإسلام بحلول عملية للتخلص من آفة الرق التي تمثل أبشع أنواع الاستغلال من قبل الإنسان لأخيه الإنسان الذي كرمه الله عز وجل بقوله (ولقد كرمنا بني آدم) وكان أول شيء عمله الإسلام هو خلق مصارف جديدة للتخلص من هذه الآفة في الوقت الذي يجفف منابعها، وقد يقول قائل: ألم يكن المسلمون يسترقّون بعض الأسرى كما يفعل غيرهم ؟ والجواب أن الاسترقاق لم ينص عليه في حديث ولا آية وإنما قال الله عز وجل : (فإما منّاً بعدُ وإما فداء) ولم يذكر الرق وما كان يجري من ذلك إنما هو من باب المعاملة بالمثل إذا استرقّ الأعداء أسرى المسلمين ثم استرقاق أسراهم كوسيلة ضغط لتحرير الجميع. ومن مصارف الرق التي جاء بها الإسلام الكفارات، فتحرير رقبة وردت في أكثر من موضع من القرآن الكريم، قال تعالى في كفارة الظهار : (فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا) وفي كفارة القتل الخطأ :(ومن قتل مؤمناً خطأً فتحرير رقبة مؤمنة) وفي الأيمان (الحلف) قال تعالى : (أو كسوتهم أو تحرير رقبة) ثم حث الإسلام على مكاتبة الأرقاء لشراء أنفسهم مع معاونتهم على ذلك، قال تعالى (والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيراً) كما حث على عتق الرقبة وجعلها من أفضل القربات إلى الله عز وجل، قال تعالى : (وما أدراك ما العقبة فك رقبة). كما جعل رسول صلى الله عليه وسلم عتق الرقبة مقابل عتق المعتِق من النار وجعل عليه السلام كفارة من أتى أهله في نهار رمضان عتق رقبة أيضاً ، وهذا يعني أن الإسلام لم يدعُ إلى الرق مطلقاً كما يروج أعداؤه وإنما حث على تحرير الإنسان من الرق . بعد هذه المقدمة عن موقف الإسلام من ظلم الرق نفاجأ في اليمن وبعد 48 عاماً من الثورة التي جاءت لتحرير اليمنيين من رق الظلم الإمامي الذي ساوى بين كل طوائف الشعب بجعل الجميع عبيداً له وخلق طبقة محددة جعلها سادة لكل الشعب نفاجأ بوجود أرقاء بعد أن تخلص العالم من الرق المباشر ولم يعد له وجود إلا في بعض أطراف بعض الدول الأفريقية حيث لازال الجهل هو السائد والسيد فيها . كان الأرقاء في بعض دول الجوار حتى عام 1963م يشكلون طبقة العمال في المنازل والأسواق ثم تم تحريرهم نهائياً ، أما في اليمن فقد قامت الثورة المباركة 26 سبتمبر وهناك من يملك ألف رقيق ويفاخر بذلك وكنت أحسب أن هذه الآفة قد انتهت وإلى الأبد بعد الثورة لو أن هناك تسوية قد تمت لإنهائها ، ولكنني صدمت مما تناقلته وسائل الإعلام من وجود ما لا يقل عن (3000) رقيق في بعض محافظات الجمهورية.. إن وجود مثل هذه الكارثة تمثل مؤشراً خطيراً جداً يلوث سمعة البلاد ويسيء إلى الدين الذي حرر الإنسانية. لقد كان القرن الثامن عشر قرن الرق حيث قامت شركات أوروبية بنقل الأرقاء الذين يتم اختطافهم في أفريقيا ويتم نقلهم إلى جزر في المحيط الأطلسي تمهيداً لنقلهم إلى أوروبا وكان يتم ترحيلهم وسط ظروف غاية في السوء فيموت منهم الكثير وعندما استقلت أمريكا قاموا بإرسالهم مرة أخرى إلى أفريقيا وعلى وجه الخصوص إلى ليبيريا ليعودوا بعد مائتي سنة من الرق، ورمي بالبعض في جزر البحر الكاريبي كالدومينيكان وهاييتي وكوبا وغيرها ولم يكلف الغرب نفسه الاعتذار عن تلك الفترة السوداء من تاريخه بل راح يرمي المسلمين بالتهم الباطلة بأنهم يمارسون الرق حتى الآن ، وهذه التهمة قد تكون صحيحة إذا لم نتحرك لتحرير الأرقاء الموجودين بيننا وأعتقد أنه بالإمكان حل هذه المشكلة بأي وسيلة ومنها قوة الحكومة وإجبار من يعتقدون بأنهم أرباب على إعتاق هؤلاء البشر. نحن نعلم أن الرق قد تعددت أشكاله وأن شعوباً بكاملها أرقاء لدى النظام العالمي اقتصادياً وسياسياً ، بل إن المتاجرة بالأطفال والرقيق الأبيض تزدهر في بلدان كثيرة حتى اليوم ولكن الأسوأ أن يكون هناك رق مباشر يباع فيه الإنسان ويشترى كأي بهيمة ثم نجد من يسوغ ذلك أو يفتي بجوازه بعد أن تخلص العالم من الرق لمجرد أنه ذكر في القرآن ولكن كيف ذكر وهل دعا الإسلام إليه أم إلى التخلص منه ؟ ليس هناك ما يبرر مطلقاً وجود عبيد لغير الله عز وجل فكلنا عبيده ونتشرف بهذه العبودية ولكن لا نقبل لأنفسنا ولا لغيرنا أن يكون عبداً لمخلوق مثله فالله أحق أن يعبد دون سواه وكل امرىء يولد حراً .