كما إن للشِعرِ هواتَهُ، وللفن هواتَهُ، وللرياضة هواتَها، فإن للفوضى أيضاً هواةً ومُحترفين وهذه سنةُ الحياة ، لكن أن يكون هواةُ هذه الفوضى من السياسيين والمحسوبين على الثقافة وقادة الرأي، فأعتقد أن الأمر في غاية الخطورة، ويحتاجُ إلى وقفةٍ جادةٍ ومراجعةٍ متأنيةٍ وإعادة نظر في نفض غبار التراكمات التي طرأت على تصرفات مُرتكبي هذه الحماقات، بالذات وأن هذه الهواية أو بالأصح الغواية تمسُّ وحدتنا ونسيجنا الاجتماعي وتحمِّلُ الوطن والأوضاع الراهنة أكثر مما تحتمل . لن أضيف جديداً إذا قلت:إن واقعنا الاقتصادي والمعيشي لا يسر عدواً ولا صديقاً، لكن أن ننبري لمعالجة تلك الأوضاع بالفوضى الهدامة، ونستجير من الرمضاء بالنار،فذلك ليس إلاَّ من باب المغامرة بالحاضر والمستقبل،وسنصبحُ أعداءً للحياة بدلاً من أن نكونَ بناةً لها . كلُّ مثقفي العالم وسياسييه يسلكون أيسرَ السبل وأصلَحَها للنهوض ببلدانهم، ويبحثون عن أنجع الطرائق للوصول بمجتمعاتهم إلى ما تصبو إليه من حياةٍ كريمةٍ آمنة، أما في بلدنا فالأمرُ عند الكثيرين عكسُ ذلك تماماً، حيث يُحاربون الفسادَ بما هو أفسد، ويعالجون الرمد بالأسيد،ويداوون الحُمّى بالعلل المزمنة والمميتة وما الطابور الخامس إلاَّ خير شاهد على ذلك ، فقد أصبح هذه الأيام كالوباء الداهم، شائعاته تُخرِسُ الآذان وأراجيفه تنتشرُ كالنار في الهشيم، وكأنَّ جوبلز وزير الدعاية في عهد هتلر قد فرَّخَ لنا آلافَ الجوبلزات حيث يحاولون تضليل الرأي العام بمعلومات مكذوبة ومغلوطة ومشوهة، كي يجعلون المواطن في ريبة من أمره، متوجساً ما ليس في الحسبان ويُضيفون أزماتٍ جديدةً إلى أزماته .. رسولُنا الكريم عليه وعلى آله وصحبه الصلاة والسلام يقول: ( المسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهُم وهمْ يدٌ على من سواهم ) بينما عُشاق الفتن الذين فقدوا مصالحهم يعملون كل ما بوسعهم و بشتى السبل لتخريب وطنهم سعياً لتنفيذ أجندةٍ مكشوفة للجميع، فلا يتحدثون إلا بِنَفَسٍ مناطقيٍ كريه، والبعض الآخر لا يهمّه موتُ الآلاف بل حتى عشرات الآلاف مادام وأنه سيجني مصالحَهُ على حساب دمائهم وأموالهم. يا أصحاب المشاريع الرثة والمتهرئة، لقد ولَّى زمنُ الزيف والدجل والخرافات والأوهام، اتقوا الله في وطنكم وفي أنفسكم وغيِّروا الطريق الذي تسلكونه، فهو مليءٌ بالأشواك والألغام والصخور التي ستتحطم عليها أوهامُكم، فاليمن سيظلُّ واحداً موحداً، ديمقراطياً شوروياً،أهلُه مُتآخون متحابون متراحمون، ولنسلكَ جميعاً السبلَ الدستورية والقانونية لتحقيق ما نطمح إليه، خاصةً وأن هذه المرجعيات قد فتحت الآفاق وأتاحت لجميع أبناء الوطن الوصول حتى إلى أعلى هرم في السلطة، على أساس المواطنة المتساوية والكفاءة، بعيداً عن المغالاة والتعصب الأعمى والأفكار الهدّامة والمصالح الضيقة، فالفوضى مهما حققت لصُنّاعِها ،لا بُدَّ أن تطالَهُم نيرانُها..