وسط هذا الكم الهائل من الآراءِ المُتناقضة والمُتشعبة والأحداث المتسارعة والانقسام الحاد في صفوف السياسيين يجدُ المرءُ نفسَهُ حائراً عن ماذا يكتب ؟ ولمن ؟ بالذات وقد أضحت الديمقراطية التي هتفنا لها وفرحنا بها ألعوبةً أو أكذوبةً، وإن كانت بعيدةً كلَّ البُعد عن تصرفات ومسلكيات من يؤمنون بها عندما تكون في صالحهم وينكرونها عندما تكون عكس ذلك ؟ كيف لا وهناك يمنيٌ يستهوي قتل أخيه، ويُحرِّضُ على ذلك بل والبعض قد أفتى بجوازه، ماذا عسانا أن نقول وهناك من يستمتع بموت الناس ونهب منازلهم وتشريدهم وقطع الطرقات بوجوههم ؟ وأمام كل هذه الأوراق المبعثرة والتجاذبات غير المسبوقة والتشرذم المحموم لا نجد ما نقدّمُ للقارىء الكريم سوى هذه التساؤلات التي تبحث عن إجابة شافية بعد أن مرض الأطباء وأصبح الميع يستجير من الرمضاء بالنار : هل يعي بعضُ السياسيين أنهم بتصرفاتهم الحمقاء وترويجهم للعنف وتأييدهم للفوضى يئدون الديمقراطية وكل ماله صلة بالتداول السلمي للسلطة ؟ وهل يدركون أيضاً المخاطر المستقبلية لحالة الاحتقان والتعبئة الخاطئة لأتباعهم وأنصارهم حيال خصومهم وتصويرهم بأنهم أعداءٌ وفاسدون يجبُ التخلّص منهم وقمعهم وإقصاؤهم في حال تمكنوا من الوصول إلى السلطة ؟ لماذا يُشجّعون أنصارهم على التخريب والتدمير لكل المنجزات التي هي في حقيقتها ملكٌ لأبناء الشعب اليمني قاطبة ؟ وكيف لمن وافق على النهج الديمقراطي أن يسمح لنفسه التحول إلى ما يسمى بالحالة الثورية ؟ بينما هو على النقيض من ذلك تماماً يتوعدُ الآخرين بشتى أنواع العذاب في حال وصوله إلى السلطة؟ هل الدولة المدنية التي يتحدثون عنها تكمن في احتلال المرافق العامة وتكديس الأسلحة والتشجيع على التمرد وإسقاط هيبة الدولة والتخندق خلف القبيلة وتشجيعها للسطو على السلطة؟ باعتقادي أنه مهما وصلت حدةُ الاختلاف بين الفرقاء فإن الأمورَ لا تستدعي الانزلاق إلى هذه المرحلة من العداء، وإن كنا نشهد حالة مخالفة لكل القيم والأعراف والمنطق، لكنه يصدق في هؤلاء قول الشاعر : صاحبُ الحاجةِ أعمى لا يرى إلاّ قضاها فهل أعمى الله قلوبنا وأبصارنا حتى وصلنا إلى ما نحن عليه ؟ أرجو الله أن يخيب هذا الظن ويعيد العقول المسلوبة إلى أصحابها.. وهنا لا أخفي أن كلَّ هذهِ المُعطيات والمؤشرات الخطيرة والسموم المبثوثة قد أوصلتنا إلى قناعةٍ بأن الديمقراطية سرابٌ لا يُعوَّلُ عليه مادام وفينا من لا يؤمنون إلاّ بأنفسهم وبقوةِ السلاح وإقصاء الآخر بشتى السبل، فإلى متى سنظل نضحكُ على أنفسنا ونتغنى بهذه الديمقراطية بينما الآخرون ينصِّبون مشانق الموت لكل من خالفهم ؟ أحفاد بن ملجم : الحادثُ الإجراميُ الغادرُ الذي استهدفَ مسجدَ دار الرئاسة وكبار قيادات الدولة بمن فيهم فخامة الرئيس وهم يؤدون صلاة الجمعة فيه لا يُعبِّرُ سوى عن حالة الإفلاس السياسي والانحطاط القيمي والأخلاقي لمن دبَّرَهُ وخططَّ له ونفَّذه، ويعكس مدى الإجرام والوحشية لدى تلك النفوس التي لم تُراع حرمة المساجد ولا قتل النفس المحرمة ولا خطورة ما سيترتبُ على ذلك من كوارث وتداعيات ،، كما أنه يكشفُ أيضاً عجزَ هؤلاء وحالة الإحباط والانهزامية التي يعيشونها .. أما ما يحزُّ في النفس فهو حالة السقوط المريع لدى حملة الأقلام من الدخلاء على مهنة الصحافة وهم يتشفّون مما خلّفه هذا الحادث فأيُّ انحطاط أكبر من هذا ؟ وإلى متى ستنحدر الأخلاق بهذه الصورة المريعة دون أن تجد من يردها إلى جادة الصواب أو يردعها عن حالة الهستيريا التي وصلت إليها؟ بصريح العبارة، لم نفق من هول هذه الصدمة حتى الآن، لأننا لم نكن نعلم أن بين ظهرانينا أحفاداً ل ( عبد الرحمن بن ملجم ) و ( أبو لؤلؤة المجوسي ) كون التاريخ لم يذكر أحداً غير هذين المُجرمين نفّذَ جريمةً في مسجدٍ أو استهدفَ مسجداً حتى الصهاينة بوحشيتهم وإرهابهم عندما اغتالوا شيخ الشهداء أحمد ياسين ( رحمه الله ) لم يستهدفوه داخل المسجد وإنما انتظروا حتى خروجه منه ونفذوا جريمتهم، فما الذي حلَّ باليمن وشعبها ؟ وهل هؤلاء المجرمون هم من الألين قلوبا والأرق أفئدة ؟ وهل ستقوم الدولة بواجبها في حماية الأمن والاستقرار وتقديم كل من يتورط في كل جريمة بحق الوطن والمواطن كائناً من كان صغيراً أو كبيراً شيخًا أو مواطناً ..ولا ننسى أن نسجل آيات الشكر والعرفان للشهداء الأبرار من ضباط وأفراد الحرس الخاص الذين ضربوا أروع الأمثلة في الوفاء والتضحية والإيثار لقائد اليمن وهم يحمونه بأرواحهم الطاهرة، فهؤلاء هم اليمنيون حقاً، فنسأل الله لهم الرحمة والرضوان ولأهلهم الصبر والسلوان، وللجرحى الشفاء العاجل بإذن الله .. أمنية : كنت أتمنى على من يبشرونا بالخلافة القطرية، عفواً الإسلامية، أن يعملوا على حقن دماء هذا الشعب، وأن يستحضروا الآيات القرآنية الشريفة التي تدعو إلى حقن الدماء وحرمتها، لا أن يتلقوا تعليماتهم من دوحة الشرق الأوسط الجديد لتنفيذ أجندتهم ولو كان الثمن الشعب اليمني بأكمله .. [email protected]