باعتقادي أنَّ الأزمةَ الخطيرةَ التي تعصفُ ببلدنا منذُ ثمانية أشهر قد كشفت وأثبتت من خلال الممارسات اللامسؤولة والتحريض والتخوين والتعصب الأرعن للحزب والقبيلة والمنطقة، أن ديمقراطيتنا التي هلّلنا لها كثيراً ليست عرجاء فحسب وإنما صماء وعمياء ومصابة بأكثر من علِّة أيضاً، لأنَّ الكثير من القيادات الحزبية لا تؤمن بمبدأ التداول السلمي للسلطة على الإطلاق، ولا تعترف بالديمقراطية أصلاً، كونه لم ترسخ في أذهانها إلاّ ثقافة الانقلابات والإقصاء والتحيّز المطلق للحزب أو القبيلة أو غيرها من الولاءات الضيقة التي لا تُسمنُ ولا تغني، لذلك فقد أضحى هذا الولاءُ عند الكثيرين من هؤلاء أكبرَ من اليمن، والسببُ يعودُ إلى المصلحة الشخصية وأهواء الدنيا ونزواتها، وقبل ذلك التعبئة الخاطئة من تلك القيادات التي لا تخاف الله ولا يهمها سوى تحقيق مآربها ولو على حساب الشعب بأسره، بعد أن رسخت القناعة لدى أنصارها بالثقافة الدموية والاستئصالية والتسلطية ونزعت ثقتها بالآخرين تماماً وصورتهم بأنهم وحوشٌ بشرية، وأنهم هم الأعداءُ الحقيقيون لهم وليس الصهاينة الذين أضحوا أصدقاء أصدقائهم. الكثيرُ من تلك القياداتِ تُراهنُ حالياً على تفجيرِ الوضع عسكرياً على غرار ما يجري في ليبيا مُصدّقين أنفسَهم أن الحسمَ سيكونُ سريعاً وهم يعلمون تماماً الدوافع الخفية من وراء هذا التهوّر غيرِ محسوب العواقب، ويدركون أيضاً أن أيَّ مُغامرةٍ من هذا النوع سيكتوي بنارها الصغير والكبير وستأتي على الأخضر واليابس ولن يسلم منها أحدٌ مهما حاولَ بعضُ الإعلاميين والسياسيين التهوين من خطورتها ومن تداعياتها على مستقبل البلد والبلدان المجاورة. وكلُّ ذلك من وجهة نظري التي أتمنى أن تكون مخطئة هي من ثمار الديمقراطية الكسيحة والتراكمات الماضوية السحيقة التي ظننا أننا تجاوزناها لكنها مع كل أسف ظلت كامنةً في نفوسِ الكثيرين، لذلك فقد كشفتها هذه الأزمة على حقيقتها وأعادتْ كلَّ واحدٍ ممن تصنّعوا التحضّرَ عقوداً إلى طبيعتهم فتراهُم ينفثون سمومَ الأحقادِ وحملات التشويه التي ستنعكسُ جميعُها على مستقبل الوطن وأمنه واستقراره وسلمه الاجتماعي . كما أن من ثمارها الفاسدة أيضاً تعطيلَ التنمية بمختلفِ أشكالهِا وصورِها، وإعادةَ البلد عقوداً إلى الوراء بسبب الركود الاقتصادي، وما خلفته هذه الأزمة من مآسٍ وما سببته من كوارثَ على آلاف الأسر والشركات، وخسائر بمليارات الدولارات التي لن تستطيع تعويضها إلاّ بعد عقود. وهنا نؤكّدُ لجميعِ الأطرافِ المُتصلّبة ومطلقي العنتريات والبطولات الوهمية أنَّهُ لا يستطيعُ طرفٌ إقصاءَ الطرف الآخر بالصورة التي يتخيّلُها وأنَّهُ لا حلَّ لهذه الأزمة سوى بالحوار والاحتكام لصندوق الاقتراع، هذا إذا كان لديهم ذرةُ إيمانٍ واحدةٍ بأن هذا الشعبَ هو مالكُ السُلطة ومصدرُها، ما لم فإنهم سيُدخلون البلدَ في نفقٍ مظلمٍ وسيتحمّلون مسؤوليتَهم الأخلاقية والتاريخية . [email protected]