لم يتبق سوى أقلِّ من شهرين حتى تنتقل اليمن إلى مرحلة سياسية جديدة بعد إجراء الانتخابات الرئاسية المبكرة التي ستتم وفقاً للمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية لاختيار نائب الرئيس الفريق الركن عبد ربه منصور هادي رئيساً للجمهورية كمرشح توافقي، في خطوة تنقذ اليمن من الانزلاق في أتون العنف والفوضى، ما جعلنا نستبشرُ خيراً بالتوافق السياسي الذي أُبرِمَ بين الطرفين الرئيسيين في العملية السياسية، كون الحكمة اليمانية تغلّبت على جميع المواقف المتصلبة في اللحظات الأخيرة، وفي نهاية نفقٍ لم يكن يعلم إلاّ الله سبحانه وتعالى وحده مصيره ومآله في حال لم يتم التوقيع على المبادرة. وعلى الرغم من أن الطرفين قطعا شوطاً كبيراً خلال الشهر الماضي في تنفيذ المبادرة وآليتها، إلاّ أن البعض يأبى أن تسير الأمورُ وفقاً لما هو مخطط لها ويحاول افتعال أزمات غير مبررة، في وقت البلد فيه بأمّس الحاجة إلى تفعيل مبدأ الوفاق الوطني وتضميد الجراح ولملمة ما بعثرته الأشهر العشرة الماضية حتى نصل جميعاً إلى شاطئ الأمان الذي غبنا عنه كثيراً بسبب حدة التباينات في المواقف والتجاذبات التي حصلت. ولهؤلاء نقول: ألا يكفي نزفاً لدماء شبابنا وجنودنا الزكية بعد أن توصّل الطرفان إلى حلول سياسية للأزمة تجنب البلد الدخول في غياهب الفوضى وشبح الحرب؟ لماذا تنكئون جروحاً جديدةً بدلاً من تضميد الجروح التي نزفت على مدى أكثر من عشرة أشهر مضت؟ ولماذا تحاولون إشعال نيران الانتقام وتجعلون من تلك الثقافة الدخيلة على مجتمعنا واقعاً لا يرضاه دين ولا عقل ولا عرف؟ أين احترام العهود والمواثيق والوفاء بالالتزامات؟ وأين غابت لغة التسامح بعد أن كانت مُتربعة على عرش قاموسنا قروناً عديدة؟ لماذا نستبدل السلام بالثأرات؟ والوفاق بالتناحر والمكايدات والمحبة بالكراهية؟ كيف للبعض أن يستمرئ حياة الفوضى ويُغلّبها على التهدئة والطمأنينة وهو يعلم إلى أين سيجرُّ البلد برمّته بهذه السياسات الجوفاء المتهورة؟ أخيراً.. أقول للجميع: إذا كنا نُحبُّ هذا الوطن حباً صادقاً فعلينا أولاً أن نثور على أنفسنا الأمَارة بالسوء ونطهرها من أدران الفساد والرشوة والمحسوبية والمناطقية واسترخاص دماء الناس، وأن ننظر إلى هذا الوطن على أساس أنّه أكبرُ من أي انتماء آخر، وما هكذا يكونُ الوفاق. [email protected]