بتوقيع فخامة الرئيس علي عبدالله صالح على المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المُزمَّنة أُعيدَ للحكمة اليمانية جزءٌ كبيرٌ من اعتبارها وألقها بعد أن كانت قد غابت أو غُيّبت في دهاليز المناكفات والتجاذبات السياسية على مدى العشرة الأشهر الماضية من عمر الأزمة الخطيرة التي تحدق ببلدنا، حيث تنفَّسَ السوادُ الأعظمُ من أبناء الشعب اليمني الصعداء واستبشروا خيراً بأن يضع ذلك التوقيع حداً لمعاناتهم وينقذ البلد من الولوج في أتون فتنة لن يسلم منها أحد لا قدر الله. لا أريد أن أعكّرَ صفوَ أحدٍ ممن استبشروا خيراً بطي صفحة هذه الأزمة وفتح صفحة أخرى من الوفاق والاتفاق والوئام والسلام وبناء وترميم ما أحدثته الأشهر العشرة الماضية من تصدعات وشروخ، فجميعُنا مستبشرون بأن نطوي هذه الصفحة المؤلمة وننطلق نحو التنمية والوفاق، إذا ما صدقت النوايا وتضافرت الجهود وتناسينا الخلافات والتباينات الضيقة وجعلناها جزءاً من الماضي وشمّرنا السواعد للمضي بوطننا الغالي نحو الرخاء والبناء والتكامل بما يحفظ أمنه واستقراره ووحدته ويصون حقوق أبنائه، وتلك باعتقادي مسؤولية جماعية تتحملها جميع الأحزاب والقوى. كما أننا ما زلنا وسنظلُّ نؤمّلُ خيراً في أن يضع السياسيون هذه الأشهر المؤلمة خلف ظهورهم ويؤسسون لمرحلة مشرقة تجعل اليمن السعيد سعيداً حقاً بعد أن عانى أبناؤه حقباً من الصراعات والمماحكات بمختلف مسمياتها. لكنني أستغرب كغيري ممن كانوا ينظرون إلى مطالب الطرف المعارض التي اختزلها في توقيع الرئيس على المبادرة بأنها العقبة التي تقف عائقاً أمام الحل وقد تحققت، نستغرب بصورة تخالجها الشكوك ونحن نرى ونسمع بعض الأصوات والوسائل الإعلامية التي لا تزال تعمل على شحن الأجواء وتوتيرها والعمل على تصعيد الأزمة ورفض الحل السياسي لها بعد أن كان مطلبهم الوحيد هو توقيع الرئيس على المبادرة، بل إن البعض يؤكد ميوله نحو الشقاق والافتراق من خلال زرع ثقافة دخيلة على مجتمعنا وقيمنا وعاداتنا. فما الداعي لمثل كلِّ هذا التوتير وهذا الرفض المطلق للحلول السلمية بعد أن اتفق الطرفان على تنفيذ المبادرة والدخول في مرحلة جديدة من التوافق والبناء؟ وأين بوادر حسن النوايا في تضميد الجراح وإغلاق ملف المناكفات والمهاترات؟ وكذلك أين وعود بعض الأحزاب من أنها ستنهي اعتصاماتها بمجرد أن يسلّم الرئيس صلاحياته لنائبه أو من يختاره هو؟ ولماذا كلُّ هذه الخطابات المنفرة والمثيرة للقلق بدلاً من ترشيد الخطاب السياسي والتفكير في مستقبل يضمن للجميع حقوقهم في الحرية والعدالة والمواطنة المتساوية؟ أين الالتزامُ الأخلاقي بالعهود والمواثيق التي تم التوقيعُ عليها؟ وما الأسبابُ التي تكمنُ وراءَ جنوح البعض نحو الانتقام والثأر والشقاق وتعزيز ثقافة الاختلاف والكراهية، بدلاً من تعزيز الثقة وخلق الطمأنينة لدى الطرف الآخر الذي قبل بالتوقيع على المبادرة؟ أم أنها لعبة تبادل الأدوار التي يجيدها الكثيرون في هذا الزمن المليء بالتناقضات والتي لا تخدم أحداً؟ أرجو أن يقف كلُّ واحد منّا برهة من الوقت مع نفسه ويعيد حسابات الاختلاف إلى أين تقود؟ وكذلك ثقافة التسامح والمحبة والإخاء والتعاون إلى أين ستقودنا أيضاً؟ وفّق الله الجميع إلى خير اليمن وشعبها وجنبنا كل فتنة ومكروه.. [email protected]